ناقشت كثير من القمم العربية قضايا السياسة والصراعات والأزمات السياسية التي عصفت بأوطاننا خلال الفترات الماضية نجحت قليلا وأخفقت كثيرا، وارتسم الفشل على جدرانها، وها نحن اليوم أمام عقد قمة اقتصادية لمناقشة الأوضاع الاقتصادية علّها تحقق ما فشلت فيه القمم السياسية. تتجه أنظار العالم العربي إلى العاصمة "الكويت"، حيث ستُعقد يومي 19 و20 من الشهر الجاري القمة العربية الاقتصادية الاجتماعية والتنموية؛ كونها الأولى، وستناقش للمرة الأولى قضايا المواطن العربي. ويتطلع الجميع إلى النتائج التي ستخرج بها هذه القمة التي اعتبرها كثير من الاقتصاديين خطوة أولى لدفع الجهود السابقة من أجل تكوين أسرة اقتصادية عربية على غرار الأسرة الاقتصادية الأوربية. فقد حظيت هذه القمة بأهمية بالغة لدى العرب عامة واليمنيين خاصة؛ كونها مخصصة للاقتصاد ولا حضور للسياسة فيها.. ويأمل كثيرون بأن تخرج بآراء موحّدة وقرارات ناجحة لصالح الجميع. وفي هذه السطور رصدت "السياسية" آراء ومطالب الاقتصاديين اليمنيين من القمة لعلّها تخرج بقرارات جادّة تُحسن من اقتصادنا العربي، وتُحسن من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطن العربي. اليمن، وكغيرها من البلدان العربية كانت حاضرة في هذه القمة وتتطلع إلى نتائجها، وتؤكد أهميتها، وهذا ما أعرب عنه وزير التجارة والصناعة، الدكتور يحيى بن يحيى المتوكل، الذي أشار إلى أن القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية تُشكّل صفحة جديدة في إطار العمل العربي المشترك؛ لتحقيق المنافع للمنطقة العربية. وأوضح أن اليمن ستطرح مقترحا على القمة لتفعيل إنشاء صندوق عقد التنمية الذي تم تبنيه في القمة العربية السابقة، ولم ينفذ على أرض الواقع.. مشددا على عملية التوازي بين تحرير التجارة وتحقيق التنمية في الدول العربية الأقل نموا، حتى تشعر جميع الدول أنها تستفيد من عملية التكامل الاقتصادي، وليس استفادة بعض الدول على حساب دول أخرى. وكانت لنا وقفة في الوزارة لنتعرف على استعدادات الوزارة لذلك الحَدث، حيث أوضح مدير عام التجارة الخارجية في الوزارة فضل منصور، أن اليمن كان من ضمن الدول التي قدّمت مشروعات للقمة، وتم اختيار المشروعات ذات العلاقة التكاملية وليست ذات الطابع الفردي. ويشير إلى أن الوزارة شاركت في جميع مراحل التحضير للقمة من خلال المجلس الاقتصادي الاجتماعي، الذي كانت صنعاء عضوا فيه.. ويضيف: اليمن كان جزءا من مشروع الربط الكهربائي والنّقل والبطالة والفقر. الأزمة المالية: تنعقد القمة تزامنا مع ظروف حرجة وصعبة تعصف بالاقتصاد العالمي، وتسببت في حالة من الركود في اقتصاد الولاياتالمتحدة الأميركية والدول الأوربية، ووصلت إلى دولنا العربية. والأزمة المالية التي أرعبت العالم بتداعياتها المستمرة والخوف من أن تصل بشكل أكبر إلى دولنا العربية تستدعي من الجميع ضرورة قيام تكتل اقتصادي عربي فعّال مبني على أسس اقتصادية سليمة يقي الأمة العربية من شرور الأزمات والتقلّبات الاقتصادية والدولية. ويؤكد اقتصاديون عرب أن القمة فرصة للدول العربية لتخطي آثار الأزمة المالية، وسيتم خلالها طرح عدد من المشروعات المحددة لتنفيذها فيما بين الدول العربية للمساعدة في التغلب على تداعيات الأزمة المالية. وهذا ما يؤكده أيضا وكيل وزارة المالية، الدكتور علي الشاطر، (أن أول ما يجب على القمة الاقتصادية متابعته هو تداعيات الأزمة المالية العالمية). ويضيف: "أول ما يجب على القادة العرب البحث في كيفية حماية المنطقة العربية من خطورة أن تصل الأزمة المالية إليها بشكل أكبر". وتابع: اعتقد أنه يفترض أن يكون هناك تنسيق وتعاون كبير ومشترك بين الأقطار العربية لمواجهة الأزمة، لأن مواجهة الأزمة بشكل دافعي يمكن أن يخفف من تداعياتها في المنطقة. ويشاركه الرأي نفسه مدير عام اتحاد الغرف التجارية، الدكتور محمد المتيمي، حيث يقول إن "جدول أعمال القمة يحتوي على كثير من المواضيع الساخنة والواسعة ومن بينها قدرة الاقتصاد العربي على مواجهة تحديات الأزمة الاقتصادية التي دخلت فيها أكبر اقتصادات العالم مرحلة الركود، وما سينعكس ذلك على النمو الاقتصادي وتشغيل العمالة في المنطقة العربية". ويتوقع أن تعكس نتائج القمة وعي المسؤولين بها ومدى قدرة اقتصادنا العربي على مواجهتها، وأن تخرج بقرارات لتعزيز التكامل الاقتصادي العربي بدرجة أساسية حتى نحسن اقتصادنا العربي إلى نحو أفضل وأقوى ممّا هو عليه. وما للازمة من أهمية كبيرة لدى الاقتصاديين والخوف من امتدادها أكثر فقد كان البحث عن أسبابها وتقييمها من أهم المطالب لدى الاقتصاديين اليمنيين، فيؤكد أستاذ الاقتصاد في كلية التجارة والاقتصاد، بجامعة صنعاء، الدكتور محمد الأفندي، أنه يجب على القمة أن تناقش الأزمة المالية، وتبحث عن أسبابها. ويشير إلى أنه لا بد للقادة العرب تقييم آثار الأزمة المالية على الوطن العربي، وإن كانت الآثار تختلف من قطر إلى آخر ووضع خطة عمل مشتركة لتجنب آثارها. نمو اقتصادي: وخلال رصدنا ما يريده الاقتصاديون اليمنيون من القمة التقينا بالأستاذ الدكتور، عمران مطهر المخلافي، أستاذ الاقتصاد المساعد بكلية التجارة جامعة صنعاء، الذي قال: "على القمة أن تحافظ على معدلات النمو الاقتصادي السائدة في الوطن العربي، وتتخذ عددا من الإجراءات والسياسات التعويضية لمواجهة ما قد يترتب فيما يتعلق بالإنفاق العام للدولة، وخصوصا على الشرائح الأقل دخلا، حيث أن لدى البنوك المركزية العربية أرقاما كبيرة من الاحتياطات النقدية الدولية التي تعد أرقاما كبيرة يمكن استخدامها لمواجهة ما قد يترتب على النقص في الإيرادات المالية، وكذا ابتكار الوسائل والأدوات التي توظّف هذه الاحتياطات بالحفظ على معدلات النمو الاقتصادي، وما قد يطرأ من ركود على الاقتصاد، ولا بد في هذه الحالة من إيجاد المشروعات الاقتصادية الكبيرة التي تستوعب أكبر قدر من العمال، سواء العمالة المدربّة من مخرجات التعليم أم المتوسطة أم العمالة ذات المعدلات المنخفضة". التكامل الاقتصادي: احتل موضوع التعاون والتكامل الاقتصادي بين البلدان العربية حيّزا بارزا في مطالب الاقتصاديين، فمن المؤكد أن الوطن العربي قد قطع شوطا طويلا على درب التكامل الاقتصادي فكانت اتفاقية الوحدة الاقتصادية حجر الزاوية فيه، وتمثّل هذه الاتفاقية المبادئ الأساسية التي تقوم عليها عملية التكامل في ضوء الأفكار التي جاءت بها الأدبيات العربية والعالمية. ويتطلع كثيرون إلى اليوم الذي تزول فيه الفوارق القائمة بين الدول العربية، وتعزيز قدراتها على تحقيق تنمية عربية وتكامل اقتصادي فيما بينهما، فتحقيق التنمية والتكامل الاقتصادي بين الأقطار العربية مطلب أساسي لدى مستشار وزارة التجارة والصناعة، الدكتور طه الفسيل. ويشير الفسيل إلى أن عملية التنمية في الوطن العربي لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تم التكامل الاقتصادي على كافة المستويات، على المستوى الأفقي والمستوى الرأسي. وكل ما نرجوه من القمة ألاّ تكون مجرد لقاء، وأن تكون لدى القادة رؤية إستراتيجية متفق عليها في كيفية تحقيق التنمية الاقتصادية والتكامل الاقتصادي حتى ننتقل إلى السوق العربية المشتركة التي بدأت منذ فترة، وما زالت في إطار ضيّق محدود جدا، وبعدها ننتقل إلى التكامل الصناعي والثقافي. ويعتبر أنه خلال الفترات الماضية تم التحدث عن قضايا الاقتصاد في إطار الضيّق برغم حرص جامعة الدول العربية على إنشاء مجلس الوحدة الاقتصادية ومنظمات عربية معنية إلا أنها لم تفعل بشكل كبير، ويرى أن قضايا الاقتصاد لم يتطرق لها في إطار رؤية إستراتيجية موحّدة للوطن العربي. ويشاطره الرأي الدكتور الأفندي، الذي يحث القادة على ضرورة تقييم مسيرة العمل الاقتصادي المشترك السابقة، ومعرفة أين مواقع التقدم والتأخر فيها والمعوّقات، كما يطالب بإرساء مبادئ التكامل الاقتصاد العربي المشترك بحق، وخاصة فيما يتعلق بالاستثمارات العربية المشتركة التي ما زالت ضعيفة. البطالة: ويتضمن جدول أعمال القمّة موضوعات التجارة والتكامل الاقتصادي والارتباط بمنظومة النّقل بين الدول العربية، من سكك حديد وطرق بحريّة وقضايا التعليم والصحة والفقر والحد من البطالة وتحديات المستقبل ومتطلبات الأمن الغذائي والتغيّرات المناخية. كل تلك مواضيع ساخنة تستدعي منّا التوقف أمامها للاطلاع عليها، والبحث عن تفاصيلها. فالشعوب العربية بحاجة لدعم وتشجيع في رعاية المصالح العربية وحماية المواطن الذي يسعى الجميع من أجله، وتحقيق المستوى المعيشي الجيّد له. فقضية البطالة والفقر تعتبران من أكثر المشكلات انتشارا في وطننا العربي، فعلى مدار سنيين مضت عجزت الحكومات العربية عن إيجاد حلول لها. وتشير الإحصاءات والدراسات إلى أن وضع البطالة في العالم العربي هو الأسوأ بين مناطق وأقاليم العالم المختلفة، حيث تصل إلى نحو 14 بالمائة في اليمن، استناد على نتائج التعداد العام للسكان والمساكن في عام 2006، وصلت نسبة البطالة إلى 16.3 بالمائة، فيما انخفض معدل الفقر في اليمن خلال 2007 ليصل إلى 34.8 بالمائة مقارنة ب40 بالمائة في 1998. غير أن البنك الدولي أعلن منتصف العام الماضي ارتفاع نسبة الفقر في اليمن بمعدل 6 بالمائة بفعل أزمة الغذاء العالمية. كل تلك الأرقام دفعت الدكتور محمد عبد الحميد فرحان، أستاذ الاقتصاد في كلية التجارة والاقتصاد جامعة العلوم والتكنولوجيا، إلى مطالبة القادة العرب بدعم مراكز أو مؤسسات تنموية مخصصة بمكافحة الفقر والبطالة، ويطالب أيضا بتوحيد النُّظم الاقتصادية بما يراعي الخصوصية القومية والدينية للأمة العربية. إعمار غزة: لم يغفل الاقتصاديون اليمنيون عن قضيتهم الأولى (فلسطين)، ودعم غزّة، خاصة بعد المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال، فقد دعا الأفندي وفرحان القادة العرب إلى وقف ما يجري في قطاع غزّة من دمار وخراب حل بالمنازل والمدارس والمرافق الحكومية الأخرى، ودعاهم إلى الإسهام بشكل كبير في إعادة إعمار قطاع غزة. السوق المشتركة: كما يتضمن جدول أعمال القمة تحويل منطقة التجارة الحرة بين الدول العربية، إلى اتحاد جمركي في الفترة من عام 2015 إلى 2020، ثم تحويله بعد ذلك إلى سوق عربية مشتركة، فيؤكد فرحان والأفندي ضرورة مراجعة انطلاقة السوق العربية المشتركة والمعوّقات التي ما زالت أمامها، كما يطالبون بوضع برنامج زمني لإنشائها. القطاع الخاص: وللقطاع الخاص حضور في جدول أعمال القمة، حيث سيعرض 250 مشروعا على القطاع الخاص خلال أعمال القمة، من أبرزهم: مشروع النقل والسكك الحديد بين الدول العربية، ومشروع بطاقة المستثمر العربي، إضافة إلى وجود ملف أزمة الغذاء بقوة في برنامج عمل السياسة الزراعية العربية. ويقول الأفندي: يجب على القمة مناقشة كيفية تنمية خبرات القطاع الخاص العربي، وتوثيق الصّلة من خلال إقامة مشروعات مشتركة، وخاصة فيما يتعلق بالبُنية التحتية، مثل: الربط الكهربائي والنقل والموصلات. ويقاسمه المطلب نفسه الدكتور فرحان، الذي يطالب بإنشاء مشروعات مشتركة في كافة الدول العربية، لاسيما في المجالات الزراعية والصناعية والتّقنية، خصوصا، بما يضمن الاستفادة من الموارد المتاحة في كل دولة. كل تلك مطالب وأُمنيات وضعت على الورق، وبقي على القادة العرب النظر بجدية فيها، وتحويلها إلى واقع ملموس يستفيد منه كل أبناء الوطن العربي، وألاّ تظل حبرا على ورق.