عند محاولة قراءة المشهد اليمني بتجرد وواقعية يتضح أن هذه المرحلة إحدى أهم المراحل التاريخية في اليمن .. فبعد أن ابتهج الشعب بمضي خمسين عاماً على الثورة اليمنية المجيدة ، وتجاوز عمر الوحدة اليمنية أكثر من اثنين وعشرين عاماً وهي عمر جيل جديد نقي السرائر ، جُبل على حب الوطن .. وبعد مطالبة الشعب بالتغيير والقضاء على الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية .. ما يزال فرقاء العمل السياسي مختلفين ، وأقحموا ذلك الجيل وكافة أبناء الشعب في رواسب الماضي وأحقاده وثاراته ، وتركة الصراعات الحزبية .. وما يزال العديد من أولئك يراهنون على اجترار الماضي سعياً لإعادة إفرازه ، في ظل ما تتحكم بذهنيتهم من أمراض اجتماعية .. وفي ظل القصور الكبير في الوعي السياسي والتمترس والإلغاء للآخرين ، والفجور في الخصومة ، وتبني الأفكار والرؤى التدميرية.. وتعرض أبناء هذا الشعب المناضل للظلم وانتشار الفساد ليصبح أحد الأمراض المستعصية .. يضاف إلى ذلك تعدد الولاءات حسب الأمزجة والاختيارات ، فإما ولاء للمنطقة أو للشيخ ، وإما ولاء للحزب أو للأيديولوجيا أو للمال .. ما يزيد الطين بلة هو الإعلام سواء الخارجي أو الداخلي المستفز غير المحايد الذي يثير الفتنة ويؤجج الخلافات ويعمقها ، ويخلق الإثارة والبلبلة ، ويحرض فرقاء العمل السياسي ضد بعضهم غير عابئ بنتائج تلك الأعمال .. وبالتأكيد أن له أهدافه التي يعلمها ذوي المصالح إلى جانب أنه يجد مادة مثيرة وأخباراً عاجلة يملأ بها حيز قنواته الإعلامية .. ليشغل بها الناس دون تحري الحقيقة والمصداقية .. وعلى أبناء اليمن دفع ضريبة ذلك العبث من دمائهم وأموالهم، ودمار اقتصاد وطنهم، وإقلاق السكينة الاجتماعية، وتهديد وحدتهم الوطنية.. إضافة إلى ما سيخلفه كل ذلك من ضغائن وأحقاد بين الفرقاء ، وحين تتحكم تلك الأحقاد في النفوس يتحول البشر إلى وحوش ، وعندها يصعب تصديق نوايا أي منهم نحو تحقيق الخير للآخرين أو سعيه للتغيير المشروع والتطوير وبناء الدولة المدنية.. ذلك هو الواقع المرير الذي يعيشه اليمنيون الذين عرفوا بالحكمة اليمانية ، وبرقة القلوب ولين الأفئدة كما وصفهم أفضل خلق الله عليه الصلاة والسلام رسول البشرية .. والمؤمل أن يفكر الجميع بكل جدية في مستقبل اليمن كونها بلدهم جميعاً، ليعم خيرها كافة أبناء العربية السعيدة بلد الإيمان والحكمة .. فالوطن أولاً وأخيراً أمانة في الأعناق ، والواجب يحتم على كل وطني مخلص تناسي الضغائن والأحقاد ، ونبذ الكراهية ، والدعوة الصادقة إلى رأب الصدع ، والتعاون لمواجهة الاستحقاقات القادمة .. والتي تتطلب المزيد من التضامن والتنسيق بين كافة أبناء المجتمع اليمني دون استثناء ودون إقصاء.. ولا شك أن اليمنيين ذوو الحكمة سيتمكنون بمشيئة الله من الوصول إلى حتمية إعادة النظر فيما ينشدونه ويصبون إلى تحقيقه بشكل بناء .. بحيث يكون الهدف الأساسي هو الولوج إلى مستقبل واعد يتحقق فيه الخير للوطن ، ولابد أن يمكّن القطاع الاقتصادي والمؤسسات المتخصصة الواعدة من أداء دورها الفاعل في سبيل النهوض بالاقتصاد الوطني أهم أركان بناء الدولة .. وإيقاظ الأمل بين الجميع مرهون بصدق النوايا وشحذ الهمم للمضي نحو تحقيق الأهداف والطموحات في ظل المستقبل المنشود ليمن الخير والمحبة والأصالة .. وسيظل الأمل كبيراً بأن المجتمع اليمني المناضل الصبور الذي تجاوز العديد من المراحل الصعبة ، والمحن ، والأزمات السياسية والاقتصادية ، والكوارث الطبيعية .. لابد وأن لديه القدرة - بتوفيق الله وعونه – على تجاوز ما تواجهه من محن وما يعانيه من ظروف قاسية .. ولكي تتمكن اليمن من تبوء موقعها المتقدم على الخارطة الإقليمية والعالمية .. يجب أن يستمر نضال أبناء اليمن بعزيمة وإصرار وثبات ليحثوا الخطى نحو الألفية الثالثة وهم واعون تماماً لما يريدون وما يسعون لتحقيقه ، مدركين لما يجري حولهم من تطورات متسارعة إقليمياً وعالمياً في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .. كما يجب أن يكون الجميع عند مستوى المسؤولية الوطنية ، متحلين بروح الفريق الواحد ، وعلى وعي كامل بالمنعطف التاريخي وبالمراحل القادمة ، ليتمكنوا من اجتياز ما يواجههم من تحديات جمة .. وذلك ما يحتم عليهم التسلح بالولاء الوطني المطلق والتلاحم الجماهيري ، وجعل الحوار الوطني الشامل الوسيلة المثلى لحل كافة المشكلات والقضايا الوطنية المتراكمة .. وحينها يمكن تجاوز الأخطاء التي ارتكبت من قبل الأطراف السياسية سواء المعارضة أو الحاكمة .. وكذلك منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وغيرهم من الفاعلين على المستوى المحلي ، والتي ما كانت لتصل إلى ذلك الحد الخطير ، لولا قصور الوعي وعدم الإدراك العميق لما ينشده الشعب بمختلف شرائحه الاجتماعية من أمنيات وطموحات .. تلك الأخطاء لا شك سيدركها الجيل الجديد ليجعل منها دروساً وعبر مستفادة تمكنه من رسم مستقبله ، ليتاح له تحقيق ما يصبو إليه من تطلعات.. وهنا لابد أن نؤكد بأن التاريخ لن ينسى بناة هذا الوطن وصناع مجده ، وهو كفيل بإنصاف أولئك الذين ينتصرون لطموحات وتطلعات أبنائه تعزيزاً لقدراتهم ، ودافعاً لهم لإبراز مواهبهم وإطلاق طاقاتهم الإبداعية الخلاقة بما يمكنهم من أداء دورهم ، والمشاركة في البناء والتنمية .. وكذا تطوير الواقع الذي تبنى عليه ملامح المستقبل بصورة جلية .. وتلك هي القضية . رابط المقال على الفيس بوك