المتابع للشأن العام بكل اعتمالاته وصخبه لابد وأن يستوقفه الغياب الكلي للصوت المثقف عن المشهد. غياباً قد لا يبدو ذا أهمية عند عامة الناس ، لأن هذا الصوت على مدى عقدين من الزمن لم يعد معولاً عليه في صناعة التحولات كما كان في الماضي ، أو كما ظن العامة ذلك. أسهم المثقفون (من أدباء وكتاب وباحثين وصحافيين وأكاديميين وفنانين وحقوقيين) بشكل مباشر في تغييب حضورهم المؤثر كأفراد وجماعات(مختزلة في شكل نقابي قوي وفاعل يلملم صوتها ويعبر عنه)، نعلم أن واحدة من استثمارات حكم صالح وأركانه العائلية وتحالفاته القبلية والعسكرية(التي تقدم نفسها الآن قائدة للتحولات الثورية في المجتمع) كانت تتم في مساحة التغييب المنظم للتفاعلية الثقافية الجديدة المعول عليها قيادة التحولات المدنية في المجتمع، لأن نظام الحكم هذا بتحالفاته(التقليدية والمحافظة) كان يرى في قيادة المثقفين لحركة الحياة الجديدة بمثابة تسميم عام لمسعاها الدؤوب في تثبيت وجودها اعتماداً على الولاء المطلق للحاكم ومراكز النفوذ التي قواها، وليس للمجتمع. على مدى ثلث قرن عمل النظام على إفراغ مؤسسات المجتمع المدني(الحاضنة الجمعية للصوت الثقافي) من أهم مقومات وجودها مثل قطع صلاتها بالمجتمع وتالياً عدم اهتمامها بقضايا منتسبيها والدفاع عنها ، وتحويلها إلى أشكال هلامية رخوة، تقاد بواسطة شخصيات مرتبطة بالحاكم ومشاريعه التدميرية اكثر من تتبعها لصوت الحق فيها. الأسلوب الواحد الذي اتبعه النظام في ذلك كان بربط المصائر المالية لهذه الكيانات بخزانة الدولة التي يرى فيها الحاكم ملكاً خاصاً يتصرف بموجوداتها تبعاً لحسابات الولاء له ولعائلته وأركان حكمه دون سواهم وتتكثف هذه الحالة في تعظيم الحاجة عند الأفراد والجماعات وتالياً اشباعها بأساليب حقيرة أقلها استدراجات موائد اللئام حسب السائر في اللسان من مأثور العرب . بالتأكيد لعب المثقفون دوراً مباشراً أو غير مباشر في هذا التغييب، إما بالتغاضي أو الرضوخ والاستكانة طيلة هذه الفترة ،وحين واتتهم الفرصة التاريخية من جديد للعب دور قيادي في صناعة التحولات في متاحات الربيع العربي في تجليه اليمني تركوها لذات القوى التي الغت حضورهم طيلة العقود الماضية بغلبة السلطة والمال والاستعلاء الأجوف. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك