استغربت كثيراً وأنا أتابع ردود الأفعال على المهرجان الجماهيري الكبير الذي نظمه المؤتمر الشعبي العام وأحزاب التحالف الوطني الديمقراطي الأربعاء الماضي بمناسبة مرور عام على التبادل السلمي للسلطة.. تلك الردود كانت بعضها متشنجة وخارجة عن حدود اللياقة والأدب، وكأن أصحابها الذين ذهبوا يكيلون الاتهامات ضد المؤتمر الشعبي العام ورئيسه علي عبدالله صالح يحاولون تأكيد “ثوريتهم” عن طريق الإساءة لجزء كبير من مكونات الشعب اليمني دون أي اعتبار للمهنية والأخلاق والآداب والمبادئ التي يفترض أن يتحلى بها المثقفون والكتاب والصحافيون ويكونوا نموذجاً للآخرين في التعامل مع المختلفين معهم.. المهرجان الجماهيري الكبير الذي رسمه المؤتمر وأحزاب التحالف في ميدان السبعين في صنعاء تم إقامته وفقاً للنظام والقانون الذي يكفل لأي حزب أو تنظيم سياسي إقامة أية فعالية، شرط ألا يتم الإخلال بالأمن والسكينة العامة، وهذا ما التزم به المؤتمر وحلفاؤه، ولم تسجل أية محاولة عنف كما حصل في مهرجانات مشابهة.. فلا أدري ما الجريرة التي اقترفها المؤتمر من وجهة نظر هؤلاء المتزلفين والذين كانوا في يوم من الأيام من «المطبلين» للمؤتمر ورئيسه.. هؤلاء المنتقدون ذهبوا يكيلون الاتهامات ضد رئيس المؤتمر وقياداته دون بينة أو دليل يؤكد مصداقية ما يطرحونه، ودون امتلاكهم أيضاً لأبسط أساليب الاختلاف، وتحركهم في ذلك دوافع شخصية وحزبية لا ترتقي إلى مستوى المسؤولية في الطرح، بل على العكس من ذلك تزيد الأحقاد والكراهية وتثير النعرات الطائفية والحزبية التي نحن في غنى عنها، لو كانوا فعلاً حريصين على أمن اليمن واستقراره وإنجاح التسوية وتهيئة الأجواء لإنجاح مؤتمر الحوار الوطني المزمع انعقاده في ال18 من شهر مارس الجاري. والغريب أن تلك الكتابات يتم نشرها في الوقت يؤكد وزير الإعلام علي العمراني ويدعو إلى الارتقاء بخطاب الصحافة والابتعاد عن المناكفات والمشاحنات الحزبية، وأن تلعب دوراً في نشر ثقافة الحوار والتسامح والمصالحة الوطنية التي تعد صمام أمان السلم الاجتماعي للمجتمع.. من حق أي كاتب أو صحفي أن يعبر عن رأيه ويتبنى وجهة نظر حزبه، ولكن ليس من حقه توجيه وإسقاط الاتهامات ضد الآخر المختلف دون امتلاك أية أدلة أو براهين تدعم ما يدعيه وما يروج له؛ كون ذلك سيدفع الطرف الآخر إلى التمترس والتشبث بآرائه والتعصب لحزبه والتمسك بوجهة نظره، حتى وإن كانت خاطئة من باب مشروعية الدفاع عن النفس، وهو ما قد يحول هذه الصحف إلى طرف وخصم لاسيما إن ابتعدت عن الحيادية وتبنت وجهة طرف بعينه دون الأطراف الأخرى.. باستطاعة أي كاتب من أي طرف كان أن يتهم من يشاء وبأي تهم يريد تلفيقها إذا ما ابتعدنا عن أخلاقيات المهنة التي تحكمنا وتجبرنا على الترفع عن الانجرار وراء مثل تلك الكتابات التي تسيء لصاحبها وتضعه تحت طائلة المساءلة القانونية ويفقد معها مصداقيته واحترامه بين الآخرين، إلا أن البعض للأسف وجد في ترويج الاتهامات والإساءة المتكررة للآخر وسيلة للاسترزاق، أو قد تكون تلك الكتابات المسيئة تنفيذاً لتوجيهات حزبية، تستهدف خصومهم، وينجر معها الكاتب بعيداً عن الدور الذي يفترض أن يقوم به كمثقف يحمل رسالة تنويرية وليست تدميرية. مهرجان السبعين يوم الأربعاء الماضي كشف مدى ضيق هؤلاء من الرأي المعارض لهم، كما أكد عدم قبولهم للآخر، وكشف في الوقت نفسه أنهم مازالوا بعيدين عن الشعارات التي يرفعونها وبعيدين عن دعواتهم بالتعايش السلمي والقبول بالديمقراطية والدولة المدنية والمساواة والعدالة الاجتماعية وحرية الرأي والتعبير. كما أكدوا بالمطلق أنهم يحرمون على الآخر ما يحللونه لأنفسهم. فهل الديمقراطية في مفهومهم إنكار الآخر ومصادرة حقوقه وإقصائه وعدم القبول به؟!. أخيراً يبدو أنه من الصعب على هؤلاء العيش في جو نظيف خالٍ من الأزمات والأحقاد والكراهية، وفي مجتمع يسوده السلام والحب والوئام وخالٍ من الصراعات أياً كان شكلها أو نوعها. هؤلاء تربوا على ثقافة الانتقام ومن الصعب عليهم الإيمان بثقافة أخرى غير الثقافة التي جبلوا عليها.. ويقيناً مهماً أظهر هؤلاء غير ما يضمرون، إلا أن الطبع يغلب التطبع.. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك