المتصفح هذه الأيام للصحف اليمنية بكل مشاربها وتوجهاتها يشعر بالأسى لابتعادها عن الموضوعية والطرح الرصين، حيث ساد خطابها الإعلامي عدم الاتزان والاندفاع نحو الإدانة والتحريض، والأسوأ من ذلك أن مساحة الكتابات الموضوعية بدأت تتقلص يوماً بعد يوم مع اقتراب يوم العشرين من سبتمبر. لست من أولئك الذين يفزعون إلى نظرية «المؤامرة» في تفسير الظواهر أو الأحداث، ولا أجنح إلى إطلاق تهم التبعية والعمالة، لأن هذه النظرية سلاح ذو حدين لن ينجو منه أحد، كما أنني أرفض فكر التطرف والتكفير بكل أشكاله، وأنبذ أسلوب استعراض القوة لأن كل ذلك يفضي في مجمله إلى انعكاسات سلبية يصعب التحكم بوجهتها أو السيطرة على نتائجها. لن أدافع في هذه الدعوة عن المؤتمر أو عن قناعتي بقيادته وبرنامجه الانتخابي، ولإيماني بأن المؤتمر يثق في أن الشعب قادر على تحديد خياراته في صناديق الاقتراع، كما أنني لن أوجه نقداً أو اتهاماً لأحزاب المعارضة فهي جزء أصيل من نسيج هذا الشعب. ولا أريد أن أحكم مسبقاً على أدائهم الانتخابي أو أشيع في جوانحهم الخوف والقلق، لأنه ولا شك يوجد بينهم الواثقون من النصر، وهذا من حقهم، ولكن ما أخشاه أن تتحول تلك الثقة إلى قناعة وإيمان يقود إلى رفض الحقيقة عندما تظهر ناصعة للعيان وتبني مواقف وردود فعل مبنية على نظريات المحللين أو انطباعات الواهمين. المقالات التي نقرأها في عدد من الصحف الحزبية والمستقلة تنحو في الغالب الأعم إلى الإثارة والاستفزاز، وفبركة الأحداث والاتهامات الباطلة، وهذه الأطروحات تهدد مناخات السلم الاجتماعي وإجراء انتخابات في أجواء تتسم بالهدوء وتجنب العنف، كلنا يعرف أن هناك كُتاباً وصحافيين يكتبون إما بنزعة الانتقام لمسألة شخصية بحتة أو رغبة في الظهور عسى أن تعود عليهم مقالاتهم بمردود مادي من هنا أو هناك عملاً بمقولة «اشتروا المهاجمين بنصف أموالكم» أو لعلهم يأملون أن ترتقي بهم تلك المقالات مكانة في تنظيم أو وظيفة هنا أو هناك، هؤلاء هم الخطر الداهم الذي يحدق بالديمقراطية ويهددها. فالنقد الموضوعي وإظهار الحقيقة كما هي أمر يقبله الجميع، أما إثارة الفتن والمساس بكرامة الآخرين فيقود إلى ردود فعل لا يمكن التكهن بها، وهي التي قد تقود إلى العنف والعنف المضاد الذي سيهدد أمن اليمن واستقراره، ويسيء إلى الديمقراطية التي نفتخر بها. وفي هذه الظروف التي تتعالى فيها أصوات العداء والإثارة، وتندس فيها أيادي أعداء اليمن لتثير الفتن، وتتصدر قوى التطرف والكراهية مجرى الأحداث، على العقلاء أن يدركوا سواء في المؤتمر أو المشترك أنهم مهددون في وجودهم وفي المستقبل الذي يحرصون على بنائه لأنه متى ما فلت الزمام من يد العقلاء فلن يكون هناك مجال للحوار أو القبول بالآخر، وإنما سلسلة من الصراعات ستتوالى، توضع فيها المصالح الذاتية فوق المصالح العليا للوطن، وتصادر فيها الحريات ويقضى فيها على كل صوت يتحدث بصدق وأمانة وسيكون ذلك بداية العودة إلى الشمولية التي تحررنا منها يوم 22 مايو 1990م. فمن أجل يمن يحبه العقلاء والمفكرون والسياسيون الشرفاء واليمنيون البسطاء الذين لا مصلحة لهم إلا في أمن اليمن واستقراره، وفي نظام حكم تتحقق فيه العدالة والمساواة والتنمية الشاملة التي تضمن لأبنائها وأحفادها العيش الكريم الذي تريده لهم، من أجل كل ذلك علينا أن نقف في وجه الذين يزرعون العداوة والبغضاء ويؤججون مشاعر الكراهية، ونقول لهم بملء أصواتنا أكتبوا بحرية كما تشاءون وانتقدوا بموضوعية وبينوا الأخطاء وتحدثوا عما تريدونه أن يتحقق، ولكن ابتعدوا عن تخريب النفوس وتدمير القيم والإساءة لليمن، تعلموا كيف توجهون الناس صوب البناء والمشاركة في صناعة المستقبل وابتعدوا عن التكفير لمن يخالفكم الرأي أو التشويه بسمعة من يعارض ما تطرحونه. اليمن هي القارب الذي نُبحر به جميعاً ولن ينجو أحد من الغرق ما لم نحافظ على بقائه يمخر عُباب البحر. هذه دعوة إلى العقلاء أينما كانوا حزبيين أو مستقلين رجالاً أو نساء، في كل موقع يحتلونه، مهما اختلفت رؤاهم وتنوعت برامجهم السياسية للاتحاد ضد الغلاة والمتطرفين وخطاب الإثارة والاستفزاز والتحريض والعنف لأننا إن لم ننجح في التصدي لهم فإنهم سيعبثون بقيم الديمقراطية ويحولونها من وسيلة للبناء إلى أداة للهدم. "الثورة"