ونحن نقترب من يوم الثامن عشر من مارس القادم وهو التاريخ الذي حدد لبدء جولات مؤتمر الحوار الوطني الشامل والذي قد يستمر ستة اشهر كما حدد له وقد يمتد لفترة أطول رغم ان المفترض أن ثقافة الحوار بالنسبة لنا كيمنيين ومسلمين هي ثقافة متجذرة في وجداننا وسلوكنا اليومي وليست مرتبطة بتاريخ معين أو زمن معين ولكنها طريقة وأسلوب حياة. إن اللجوء إلى الحوار وأهميته في جميع جوانب الحياة حقيقة وصل إليها اليمنيون بمختلف أطيافهم وشرائحهم مقتنعين بالإيمان بالحوار كطوق نجاة وآلية حضارية لحل أي مشاكل مرتبطة بأي صراع سياسي أو اجتماعي وسلوك يليق بالإنسان اليمني كصاحب حضارة موغلة في التاريخ وليس إنساناً عابراً ومحدث نعمة مقارنة بما هو الحال في محيطه الإقليمي الذي يتأثر سلبا أو إيجابا بما يجري على الساحة اليمنية. ما سوف يطرح على طاولة الحوار من قضايا وإشكاليات تراكمت على مدى عقود مضت ومناقشتها والوصول إلى حلول توافقية حولها يجب ان لا يرضي فقط رغبات ومطالب المشاركين في الحوار من الفعاليات السياسية والحزبية والتي سوف تكون لها الكلمة العليا في المؤتمر والتي قد يكون البعض منها مرتبطاً بأجندات خارجية و بأطراف ودول خارجية لا يهمها إلا مصالحها الذاتية ولا يهمها مصلحة اليمن ولكن يجب ان ترضي نتائج مؤتمر الحوار الوطني في الأساس تطلعات المواطنين بمختلف أطيافهم وشرائحهم ومناطقهم وان يكون حواراً للمستقبل وتحقيق ما يتطلع إليه أبناء الوطن قاطبة وليس حوار الحاضر لحل إشكاليات الماضي. إن أبواب الحوار الوطني يجب ان تكون مفتوحة لجميع أطياف وشرائح المجتمع ، ولا يقصي من الحوار أحداً من مكونات الخارطة السياسية والشعبية إلا من يثبت بالدليل القاطع ارتباطه بأجندات خارجية أو يسعى لتنفيذ مشاريع صغيرة مثل السعي لتمزيق الوطن على سبيل المثال كما ان الحوار يشكل أداة حقيقية لصهر كل الجهود الوطنية في بوتقة واحدة والخروج برؤية جديدة ليمن جديد والتي سوف تصوغها أياد وعقول وطنية وتحت مظلة الوحدة الوطنية ، مشبعاً بروح المواطنة ومستندا إلى موروث ثقافي وتاريخي لشعب عريق. ولنجاح الوصول إلى يوم الحوار الوطني المنشود يجب ان يكون هناك تهدئة بين أبناء المجتمع وفعالياته السياسة والحزبية وخاصة الإعلامية منها وعلى كل فرد في أي موقع تحمل مسؤولياته تجاه المخططات التي تحاك ضد الوطن والتصدي لكل محاولات اختراق النسيج الاجتماعي وبذر الشقاق المذهبي أو المناطقي وذلك عبر التسلح باليقظة والوعي لرد كل ما يحاك من مؤامرات هدفها تقسيم البلد والعبث بأمنه واستقراره ونذكر بأهمية التمسك بالعادات والتقاليد الموروثة التي رسمها لنا الأجداد والآباء خاصة تلك التي تدعو إلى التمسك بالروح الوطنية والاعتزاز بالانتماء إلى اليمن الأرض والإنسان تلك العادات التي جعلت من بلدنا واحة من الأمن والاستقرار ومثال للبلد المحافظ والمعتمد على نفسه. إن الحوار الوطني ضرورة وطنية للتداول في كل ما يهم الناس والدولة والحاضر والمستقبل لليمن، كما أن منطق الحوار الوطني هو منطق الشراكة، إذ لا يوجد حوار دون قاعدة الشراكة والاعتراف بالآخر ولا شراكة ممكنة إن لم تمهد لها أساليب الحوار المختلفة، ونشير هنا إلى وجود ثلاثة مفاهيم في مسألة الحوار: المفهوم الأول هو المواطن وماذا يريد وما هي مشكلاته وأولوياته، أيضاً المجتمع وما هي تحدياته وكيف نصل معاً إلى مواجهة هذه التحديات، والمسألة الثالثة هي الدولة ، وهل نحتاج إلى أسس دستورية جديدة في التحديث والتطوير وكيف نتوافق على هذه الأسس؟.. ولذلك نحن أمام ثلاثة متغيرات أو فعاليات هي الوطن والمجتمع والدولة، ويقوم الحوار على قاعدة الوطن الواحد والمجتمع الواحد والدولة الواحدة، والحوار بوصفه فعالية وطنية هو الرابط والخيط المشترك بين المتغيرات والفعاليات الثلاث. إن الحوار من أجل تحقيق غايات وطنية هو واجب شرعاً وخلقاً وعقيدة ومسلكاً والحق سبحانه ما حاور ملائكته وأنبياءه إلا ليعطينا دروساً وعبراً لأن النفوس قد تجنح لمهاوي الرذيلة والسقوط في متاهات سحيقة تحرق الأخضر واليابس، والحوار المقرون بأخلاق العقل والوطن هو القادر على كبح جماح كل تهور بعد أن زيّن له البعض طرق الضلال والشهوات ليعبث بجمال الوطن وسحر القيم والمحبة والرسالات السماوية، متناسين أن هؤلاء العابثين لن يكونوا إلا أدوات هزيلة ترمى بعد انكشاف أهدافها ونواياها وغثاء في سبيل محبتنا ووطننا وديننا، وزبداً في بحر عزتنا وشموخنا. ليس عيبا أن يختلف الناس ولا مانع من أن يتحاوروا بنوايا حسنة، ومقاصد سامية وفقا للمبادئ الأخلاقية التي تعتمد ويتفق عليها لإدارة الحوار فيما بينهم بحيث يستطيع كل شخص أو جماعة أن يعبروا عن رأيهم بحرية تامة، ونذكر انه من أبرز آداب الحوار أن يعرف كل طرف من أطراف الحوار طبيعة المحاور والأفكار للطرف أو الأطراف الأخرى وما يحملون من أفكار، وأن تكون لدى كل منها الرغبة الصادقة في الوصول إلى نتيجة إيجابية وتوافقية، كما على أطراف الحوار الالتزام بالموضوعية أي عدم الخروج من الموضوع الذي يدور حوله الحوار، كما أن من الضرورة أن يطرح المتحاورون على مائدة الحوار آراء قابلة للنقاش لا قرارات أو شروطا مسبقة تعيق التوافق وتؤدي إلى العناد، كما يجب الالتزام بالأسلوب المهذب عند الحوار، ويبتعد الجميع عما لا يليق من القول واجتناب الغرور والاستعلاء على الغير في مائدة الحوار وإفساح المجال للرأي الآخر للتعبير عن رأيه دون مصادرة لحقه في ذلك، كذلك من آداب الحوار عدم التعصب للرأي وعلى الجميع قبول الحق خاصة عند ظهور الدليل، كذلك يجب انتقاء العبارات اللطيفة والمهذبة عند الحديث واحترام الطرف الآخر من أجل الوصول إلى الحقيقة. وفق الله الجميع وسدد الله خطانا لإنجاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل... Email :[email protected] رابط المقال على الفيس بوك