مع بداية أحداث الربيع العربي السلمي في بعض البلدان العربية كانت الأنظار متوجهة إلى أكثر من بلد متوقعة مزيداً من تفتح ثورات ربيعية خالصة لتغيير خريف الأنظمة الاستبدادية ..ومن ضمن هذه الدول التي تاق بعض أبنائها «للصندوق» جمهورية سوريا . لم يكن الكثير يدرك مع تحمسه للتغيير أبعاد المؤامرة الخارجية وأصابع الاستغلال الخفية العابثة بأوراق زهور الربيع الجديدة!. الدول الكبرى بلا شك يهمها كثيراً ما يحدث من تغيير في خارطة المنطقة وقد أفصحت كوندليزا رايس سابقاً بضرورة وجود (فوضى خلاقة) في منطقتنا .بالطبع لم تترك تلك الدول ربيع الشعوب العفوي حتى وإن فاجأها توقيته يمضي هكذا دون إيجاد لمسات قبل وصول الحكام الجدد، والذي يفترض أن تصل بهم الشعوب لا غيرها ..ومع أن الأمر يبدو بيد الشعوب إلا أن الحقيقة المؤكدة أن من يتحكم بمسار اللعبة في الوصول للكراسي هي أياد أخرى، في حين أن الشعوب تظن أنها صانعة التغيير! كل ذلك يتم بفعل استخدام (جافا) التلاعب بالعقول وتمويه الشعوب بانتخابات يتم صناعة شخوصها مسبقاً. في سوريا لم تتفجر ثورة شعبية عارمة تنطلق من وسط المدن الكبرى دمشق العاصمة وحلب وغيرها من المدن ذات الكثافة السكانية المتمتعة بثقافة عالية وتواقة للتغيير. والجميع هنا في غمرة الحماس والعاطفة وتوقع انفجار ثورات ربيعية كثيرة نسوا أو لم يدركوا معنى ثورة شعب ولم يفرقوا بين مصطلح الثورة وموجة الاحتجاج.. خروج جماعة أفراد تصل في أغلب اعتصاماتها إلى المئات بأرياف دولة ثم استغلال هذه الأفراد وتكبيرها إعلاميا وتسميتها ثورة شعب.. فيها مغالطة واضحة للعقول .صحيح أن هناك معارضة سورية تأثرت بخروج الشعوب للتغيير فظنت أنه يمكن أن يخرج الشعب السوري للتغيير لكن لم يحدث ذلك وبقيت الثورة محصورة في درعا ودور الزور ومعرة النعمان وغيرها من مدن صغيرة وأرياف سوريا فقط ليأتي الإعلام ويقول خرج الشعب السوري ..وقتل الشعب السوري. مع أن الاعتصامات والحرب الدائرة محصورة في نطاق جغرافي معين. لا نريد إعادة شريط مسيرة الأحداث بقدر ما يهمنا أن نتوصل إلى حقيقة معنى ثورة شعب من خلال هذه المقدمة. وإذا كانت الثورة إن جاز تسميتها بذلك تفجرت في هذه المدن الصغيرة واختارت لنفسها أن تكون سلمية فكان من المفترض أن تبقى سلمية تواجه وتضحي في مواجهة آلة الموت بصدورها العارية حتى النهاية.. وما لم تستطع تقديم التضحية السلمية فإن الأصل أن تعود لتنتظر موعدها المحدد لأنه لم يحن بعد ولم تخرج كل فئات الشعب طالبة التغيير. معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني للمعارضة السورية والذي قدم استقالته قبل أيام كشف بعض حقائق الوضع الدائر هناك في تصريح أخير له ..ليتبين لنا حقيقة اللعبة وأصابع التدخلات الخارجية . لكن قبل ذلك لماذا الذين أعلنوا أنهم كانوا حكماء في تجنيب اليمن دائرة الحرب عبر مبادرة ومصالحة لماذا لم يجربوا ذلك في سوريا رغم استجابة النظام هناك الدخول في حوار؟ حتى وإن جاء متأخرا في قبول ذلك فإنه خير من ألا يقبل. ورغم دعوة إيران للنظام السوري بإجراء إصلاحات والدخول في حوار وتبنيها مبادرة من ذاتها سابقاً لجمع الفرقاء رغم ذلك فإن بعض الدول العربية المعروفة وحليفاتها الغربية شجعت ودعمت المقاتلين هناك بدعوى مساعدة السوريين في الدفاع عن أنفسهم.. لتزيد الطين بلة بالدم. لم تتمكن من استخراج قرار دولي واستجلاب الناتو لضرب سوريا كما عملت في ليبيا .فجربت دخول سوريا من باب آخر هو باب الجهاد القاعدي ..دون أن تكون جربت ودعت قبل ذلك للصلح بين الفرقاء.. وإلا كم هي المحاولات التي قام بها زعماء دول الخليج وبقية الدول التواقة للتغيير ! في دعوة بشار لطاولة الحوار وإحراجه؟ .بإمكانهم أن يأتوا به إلى أي دولة عربية كبرى ومفاوضته .لكنهم صمتوا بل تمنوا أن تصل الأحداث لمزيد من الاقتتال ليسهل ضرب وتدمير سوريا الدولة المتكاملة في مقوماتها الاقتصادية والعلمية وسوريا حاضنة المقاومة بالأخص! الخطيب قال في حرقة شديدة إنه كان بالإمكان إرسال كل هذه الأموال التي يشترى بها لعب الموت لبناء سوريا المدمرة اليوم . تحدث عن وجود دعم كبير لجماعات إرهابية تمارس العنف والتطرف ..والأهم أنه كشف عن إرسال شباب من قبل عدة دول للتخلص منهم هناك في سوريا يقصد الجماعات المنتمية لتنظيم القاعدة. ما يحدث في سوريا مؤامرة يشترك فيها الكثير للأسف بدعوى تغيير الوضع هناك ..أي تغيير سيحدث بعد تدمير شامل لكل مقومات الدولة؟ من الذي يريد أن يضحي بالأرض والناس من أجل السلطة والجلوس فوق كومة خراب لإيجاد بعد ذلك صندوق انتخابات ليحكم الشعب نفسه بنفسه على سفوح المقابر.. هل هو بشار أم المعارضة؟ ما الذي يمكن أن تتوصل إليه المعارضة السورية خصوصاً وهي منقسمة على نفسها سياسياً وميدانياً.. ومن كان فيهم نزيها وحاول قبل شهور الدخول في حوار مع النظام لم يستجب له برغم أنه انتخب رئيساً للائتلاف السوري المعارض.. فقدم استقالته أخيراً وأفصح عن بعض الخطوط الحمراء التي كانت سبباً في استقالته. بإمكان الدول العربية أن تدخل في حوار جاد ووقف تسليح المعارضة وإغلاق منافذ حدودها.. وعدم إرسال مزيد من الشباب والسلاح وهي ذات أو من ضمن النقاط التي طرحها من قبل الأخضر الإبراهيمي ..لتجنيب بذلك المزيد من إزهاق الأنفس البريئة وتشريدها...وبلا ريب يوما ما خزينة الدول الداعمة للدمار سيجف ضرعها أو سيتخثر.. ولن تجني هذه الدول وتلك الجماعات سوى لعنة الشعوب والتاريخ. رابط المقال على الفيس بوك