عندما يعشش الفساد وينتشر في أركان المرافق العامة ومختلف أجهزة ومؤسسات الحكومة ويكون عبارة عن حصيلة متراكمة تكونت عبر عشرات السنين ، فمن المؤكد أنه لن يكون المسؤول عن هذا الفساد المسؤول المباشر في الجهة ولا المسؤول الأرفع منه. فلذلك عندما تقوم مجموعة من الموظفين والمنتسبين لأي جهةٍ حكومية تعيش في ظل هذه الثقافة الفاسدة بالانتفاضة أو الثورة على مسؤول الجهة عبر المظاهرات والاعتصام والإضراب وصولاً إلى محاصرته في مكتبه ، فإن عملٍ كهذا من قبلهم يُعد كمن يحرثٍ في الماء أو يصارع طواحين الهواء ، إذا كان المقصود من وراء ذلك تصحيح الأوضاع. إذ لا تمت تلك الوسائل “السياسية” بصلة إلى ما يمكن الإطلاق عليه بالثورة التصحيحية للإدارة وتطهيرها من الفساد والمفسدين. مع وجوب ملاحظة أننا هنا لا نتحدث عن عمال في مصانع إنتاجية يطالبون بحقوق وتحسين أوضاعهم بل موظفين عموميين في وزارت و أجهزة حكومية ينظم عملهم قانون رسمي ليس من وضعه المسؤول الذي يطالبون برحيله. و يعود ذلك لسببين الأول أن هذه الآليات والوسائل والأدوات “السياسية” ليست الأدوات الطبيعية والمعنية بالتصحيح الإداري والمالي، وبالقضاء على المظالم الوظيفية ومكافحة الفساد والمفسدين، وإن نتج عن ذلك رحيل من طالبوا برحيله. والسبب الثاني أن البيئة السياسية التي تعيش فيها الإدارة اليمنية في مختلف أجهزة ومؤسسات ومرافق الدولة هي بيئة منتجة للفساد والمفسدين بطبيعتها، لذلك فلو جيء بأكفأ الإدارات على رأس هذه الجهات لما استطاعت أن تحقق شيئاً من أماني الموظفين “حسني النوايا” الذين طالبوا برحيل سابقه ، إن لم تزل الأسباب السياسية المؤدية لهذه الاختلالات الإدارية. ولا شك أن هناك خلطاً واضحاً بين مفهومي الثورة “السياسية والثورة الإدارية”. وهذا الخلط نراه عند فئتين رئيسيتين وعلى نوعين ، خلطٌ عفوي عند الأغلب من عموم الناس يمتاز بالعفوية و شيء من حسن النوايا ؛ إما بسبب النقص المعرفي أو التعصب الأعمى ، وخلطٌ متعمد من قبل البعض من النخب نلحظ فيه أنواعاً من الخبث والدهاء و المكر السياسي الذي لا يعبر إلا عن صورة من صور عدم حسن النوايا تجاه المصالح الاستراتيجية بعيدة المدى للوطن والمواطن البسيط بما فيهم هذا الموظف الذي يظن أنه يسعى إلى تحقيق مصلحته الشخصية أو مصلحة مجموعة قلّت أو كثرت. وفي حقيقة الأمر لا يساعد في تحقيقها إلا ذوو الضمائر الميتة ولمسافة لا تزيد عن أرنبة أنوفهم مهما طالت هذه المسافة أو قصرت. وأرباب السياسية يدركون تماماً الفرق بين أهداف الثورتين والآليات المختلفة لتحقق هدف أو أهداف كلٍ منهما. كما أنهم يعون ويدركون تماماً من المعني بتنفيذها ومن أين تبدأ وتنطلق كل ثورة وكيف تنفذ كل منهما وأيهما تسبق الأخرى بالضرورة!. رابط المقال على الفيس بوك