من المفارقات الغريبة ليس في بلادنا اليمن فقط وإنما في كل دول العالم أن نحتفل بعيد العمال العالمي الذي يصادف الأول من مايو في وقت تضاعفت فيه معاناة العمال أكثر وأكثر ولأسباب عديدة اقتصادية وسياسية، فقد الملايين من العمال في كثير من دول العالم أبسط الحقوق التي تكفل لهم العيش الكريم وتؤمن لهم الحصول على لقمة عيش تسد جوعهم وكل يوم يتحول الملايين منهم مجبرين إلى قائمة البطالة ورصيف التشرد وتتسع دائرة مأساتهم لتضم الملايين أيضاً. نحتفل بعيد العمال كتقليد سنوي نتحدث فيه عن تقديرنا واعتزازنا بالعمال ومايقدمونه من خدمات جليلة للمجتمع بمختلف المجالات، ونحن نرى الملايين منهم يفقدون وظائفهم وتوضع القيود والقوانين التي تقلص من فرص حصولهم على مصدر دخل يقتاتون منه ويعيلون أسرهم وأطفالهم. والمضحك في هذا الأمر أيضاً أن يكون الأول من مايو عطلة رسمية تقديراً لتضحيات العمال الذين خرجوا قبل عشرات السنين للمطالبة بحقوقهم وعلى رأسها تقليص ساعات العمل وزيادة الأجور وتحديد أيام للراحة، بالإضافة إلى رفض الاستغلال الذي يتعرضون له على يد أرباب العمل وإلزام الحكومات بوضع قوانين تحمي حق العمال وتصون كرامتهم.. نحتفل بهذا اليوم ونحن نعلم أن الملايين من العمال يقضون معظم أيامهم في البحث عن عمل وهم في عطلة إجبارية دائمة، ومن يعمل منهم خصوصاً في البلاد العربية، فإن دخله لايكفي لتوفير أبسط متطلبات الحياة ولازالوا يعانون من الاستغلال وحقوقهم مصادرة. وإذا ما نظرنا إلى حال العمال في اليمن التي تعيش أوضاعاً اقتصادية صعبة بسبب الأزمة السياسية والحالة الأمنية المتدهورة باستمرار، فإن حالهم يرثى له فالكثير منهم خسروا أعمالهم وأغلقت الكثير من المحال التجارية وساهم الانفلات الأمني في عزوف المستثمرين وتجميد الكثير من المشاريع الاستثمارية، أضف إلى ذلك عودة الآلاف منهم من دول الاغتراب بسبب التضييق وفرض القيود على العمالة اليمنية وحتى الموظفين، فإن الراتب الشهري لايتناسب مع غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار. ولهذا فإن الاحتفال بعيد العمال في مثل هذه الظروف ليس أكثر من التذكير بمأساة العمال الدائمة وما يعانونه من شغف عيش وذل وهوان.. والتذكير أيضاً بعجز الحكومات عن معالجة أوضاع العمال والحد من البطالة ووضع القوانين التي تكفل حقوق العمال وتحول دون إلحاق الضرر بهم، وبالتأكيد فإن الاحتفال مهما كان صاخباً لايشبع بطون العمال الجياع أو يكسو أجسادهم العارية. نعم لانريد من الحكومات أن تحتفي بالعامل بقدر ما نريدها أن تمنحه بعضاً من وقتها وتعمل من أجل تأمين فرص عمل للعاطلين منهم وضمان حصولهم على لقمة عيش تسد بطونهم الخاوية.. لانريد من الحكومات أن تحتفي بالعامل وتقول إنها ستمنحه المزيد من الحقوق، في الوقت الذي يفتقد لأبسط الحقوق ومعاناته تثقل كاهله. فالتكريم الحقيقي للعامل أن يعيش داخل وطنه بكرامة وأن لايسمح بإهانته خارج وطنه. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك