صحيح أن مؤتمر الحوار ليس بديلاً عن السلطة التنفيذية القائمة, لكن بالمقابل لا ينبغي أن يتحول عضو مؤتمر الحوار إلى فرد ضعيف, دائم الشكوى, أسرع ما يكون إلى رفع لافتات معبرة عن التظلم أو الاحتجاج أو التأييد .. متناسيًا أن هذا مؤتمر للحوار يناقش قضايا مصيرية بحجم الوطن وليس مؤتمرًا للاستعراض بمواقف الرفض المتواصل أو انتظار مرور ذكريات بعض الأحداث لإذكاء التوتر القائم الذي جاء الحوار لوضع حدٍ له. وإذا كان هناك تمرير لأمور غير صائبة فينبغي أن يتم التحاور بشأنها, فالأصل أن جميع المتحاورين بمنزلة واحدة, وإذا لم تصحح هذه الأمور فينبغي أن تكون ممارسة الضغط لتصحيحها بعيدًا عن إشراك الإعلام في تغطية الاحتجاجات .. فمن الملاحظ أن إشهار الوقفات الاحتجاجية وتجييش الإعلام من أجلها أكثر ما فيه هو رغبة البعض في توجيه رسائل إلى الجمهور مفادها (ها نحن نناضل من أجلكم وليس غيرنا, فلا تنسونا من خالص الثناء والتأييد). وبغض النظر عن النوايا والأهداف, فمنظر عضو مؤتمر الحوار وهو يرفع اللافتات الاحتجاجية - المطعَّمة بالأخطاء اللغوية - شيء مقرف ومقزز وإن كان تعبيرًا عن الرأي؛ لأن فيه تقزيمًا لإرادة المتحاور وحجم مسؤوليته وقيمة صوته الذي سيشارك به في صنع مستقبل الوطن على كافة الصعد, فالمتحاور لا ينتظر منه الشعب أن يرفع لافتة معبرًا عن احتجاجه, لأن المظلومين من أبناء الشعب هم من يحتجون ويرفعون اللافتات منذ زمن, ولذلك فوظيفة المتحاورين اليوم أن يضعوا الحلول وينهوا الأزمات, لا أن يظل بعضهم مجرد مظلومين يشكون مظلوميتهم من مؤتمر الحوار إلى الشعب لينصفهم, فيتحول المحامون والقضاة إلى باحثين عن العدالة!!.. إن مؤتمر الحوار هو الذي سيضع الأمور في نصابها وسيعيد الحق إلى أهله لأنه في حقيقة الأمر ملتق للمعالجة والمصالحة, يمتلك شرعية سياسية وطنية وإقليمية ودولية لوضع مقررات الحلول ومتابعة تنفيذها بدقة. لنترك الحديث عن الاحتجاجات المتعلقة بقضايا الحوار, ولنأتِ إلى الوقفات الاحتجاجية التي قام بها بعض أعضاء مؤتمر الحوار تأييدًا لبعض الأعضاء في مشكلات خارجية, ومن ذلك وقفتهم الاحتجاجية على خلفية تعرض العضو/ عبدالكريم جدبان لحجز سيارته من قبل بعض أفراد الشرطة بسبب أن السيارة لا تحمل رقماً .. طبعًا من حق أعضاء مؤتمر الحوار أن يتضامنوا مع أي زميل لهم قد يتعرض لممارسات غير لائقة.. لكن في زيارة قائد الشرطة بصنعاء العميد مجلي مجيديع وحديثه مع أعضاء مؤتمر الحوار ما أخجلني أنا كاتب هذه السطور فكيف بأعضاء الحوار الذين وجه العميد مجيديع الخطاب إليهم!! ماذا قال مجيديع في قاعة موفنبيك؟ قال: إن العضو عبدالكريم جدبان إنسان معروف بأخلاقه العالية (وهذا في رأيي يجعله حقيقًا بأن يُعتذَر إليه إذا كان قد حدث سوء تصرف معه), ولكن القضية أن سيارةً مخالفةً لا تحمل رقمًا أوقفها أفراد الشرطة واحتجزوها وفقًا لما يمليه عليه واجبهم القانوني, وهم بهذا الفعل لم يرتكبوا جرمًا وإنما أدوا عملهم ومارسوا صلاحيتهم, فيا أعضاء الحوار ألستم أنتم من تبحثون عن الدولة المدنية؟!! ألستم أمل هذا الشعب في إرساء دولة النظام والقانون؟!!. هذا ما أتذكره من كلام العميد مجيديع الذي أفحم 565 عضوًا, بل إنه كلام أظنه هزّ كيان كل مخلص يبحث عن دولة العدالة والمساواة والنظام والقانون.. فالدولة المدنية ليست شعارات وأقوالاً, وإنما وعي وقناعات وسلوكيات وممارسات .. وأعضاء مؤتمر الحوار مزيج من النخب السياسية والاجتماعية والثقافية معول عليهم قبل غيرهم أن يصنعوا التحول المطلوب من خلال هذه الفعالية الوطنية الجامعة .. هذا ما ينبغي أن يتذكره أعضاء مؤتمر الحوار حين يقدمون على أي موقف احتجاجي لأنهم اليوم حداة السير الذين يرسمون المستقبل ويشكلون القدوة لقرابة 25 مليون يمني, وكونهم كذلك فإن كثرة ظهورهم في مواقف الاحتجاج رافعين اللفتات عبر شاشات التلفزة لا ينبغي أن تكون.. عبروا عن آرائكم ومارسوا احتجاجاتكم فيما بينكم؛ لأن الشعب يريدكم قضاةً نابهين ومحامين ناجحين لا متظلمين يطرحون أمام الشعب كل يوم شيئًا من نكء الجراح أو خلافات قد تكون نذير شؤم. [email protected] رابط المقال على الفيس بك