لا أهتم كثيراً بما يحدث في الدول الشقيقة والصديقه إلا بقدر ما يشكله من انعكاسات على واقع بلدي .. فاليمن صدارة اهتماماتي .. لكن ذلك التفاعل الجماهيري الذي حدث وأفضى الى عزل الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي دفعني الى استحضار المشترك من السياسات والتصرفات بين جماعات الاخوان المسلمين في مصر .. واليمن .. من حسن حظ اليمنيين والاخوان معاً أن عملية التغيير تسير وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي فرضت على كل فصيل القبول بالآخر ولو على مضض .. كما قدمت خارطة طريق لبناء الدولة الحديثة عبر مؤتمر الحوار الوطني .. لكن المشهد المصري كثيراً ما أغرى اخواننا في اليمن وفتح شهيتهم لابتلاع مؤسسات الدولة ليس لأخونتها .. فالأخونة في اليمن لا تزال بعيدة عن الاخوان أنفسهم الذين لا يزالون يخضعون لسيطرة زعماء القبائل والقيادات العسكرية .. وهي حالياً بعد الثورة او الانقلاب على الاخوان في مصر تفتح شهية الآخرين لابتلاع الاخوان ... مثل هذه الاحداث تعتبر جرس انذار لجميع الفرقاء السياسيين في العودة الى جادة الصواب واحترام خيارات التنوع الفكري ، السياسي ، الثقافي ، البرامجي لكل التيارات ، والتوقف تماماً عن عمليات الاقصاء ، أو الافتاء بالتكفير والتخوين .. بالاضافة الى مراجعة أي أخطاء قد حدثت منذ البدايات الاولى لتنفيذ المبادرة الخليجيه. قد يكون إخوان مصر معذورين في ممارستهم لسياسات التهميش والاقصاء للآخر كونهم يمارسون مثل هذا السلوك بشكل تلقائي كرد فعل لما تعرضوا له على مدى عقود من الحرمان والاقصاء ، والاعتقالات سواء في عهد الرئيس الاسبق حسني مبارك ، أو ما قبله .. وكانت تلك السنون كفيلة بأن تعلمهم أساليب العمل السياسي السري ، والتحرك الواسع في المساجد ، والاستثمار للعاطفة الدينية للمواطن البسيط، فاستطاعوا أن يوجدوا لهم قاعدة مكنتهم من قطف ثمار الربيع العربي قبل أن تنضج .. كان صعود الرئيس محمد مرسي الى رئاسة جمهورية مصر العربية انتصاراً مدوياً للتيار الاسلامي ، والحق يقال انه أول رئيس مصري ينتخب انتخاباً تنافسياً حقيقياً .. إن خطاباته تحمل الكثير من مشاعر الرغبة في المصالحة والتوافقية وبالذات خطابه الأخير كان مؤثراً ، وربما صادقاً ، ويختلف اختلافاً كلياً عن كل تلك الخطابات التي كان يلقيها مبارك ومن على شاكلته .. وكان من الطبيعي أن يؤكد على مسألة الشرعية الديمقراطية التي صعد بها الى رئاسة الجمهورية ، وأن يتجاهل الشرعية الثورية التي أسقطت مبارك فهي ورقته الرابحة ومن حقه أن يتمسك بها .. فعلاً تظل الانتخابات هي البوابة الرئيسية للديمقراطية ، وبدون احترام نتائج صناديق الاقتراع لن يكون هناك بديل سوى الفوضى .. واقع مصر .. وغيرها من البلدان التي أجهزت فيها جماعات الاخوان على السلطة بفعل الربيع العربي الذي تحول فجأة الى ربيع اخواني خالٍ من الليبرالية ، والحرية ، والديمقراطية كشف من جديد عما تختزنه تلك القوى من الحقد على الآخر فجعلت من وصولها الى السلطة بالطرق الديمقراطية سبيلاً لإلغاء الديمقراطية وتصفية حساباتها مع الخصوم والحلفاء في آن واحد .. فأسهمت نفسها بنفسها في التعجيل بزوال حكمها وتحكمها .. كما أسهم الغياب شبه الكامل لمهارات القيادة السياسية والادارة لمؤسسات الدولة في توسيع مساحة كراهية المواطن لتلك الجماعات وكذلك كراهية المحيط الاقليمي والدولي .. على الرغم من وجود كثير من الكوادر الاخوانية التي درست السياسة ، ونظريات الادارة الحديثة .. تجدهم يشرحون لك تلك النظريات لكنهم عندما يتصدرون مواقع العمل في أجهزة الدولة تجدهم يعملون بعقلية الفقيه ، وينفذون أوامر المرشد ، وهذا ما حدث في مصر العروبة ... عندما تستمع الى خطابات الرئيس مرسي تشعر بكثير من الارتياح والاحترام لهذا الرجل .. وربما أنه يحمل الكثير من مشاعر المصداقية والحرص على أن يكون رئيساً لكل المصريين دون استثناء .. لكنك تجد ثقافة الاقصاء ، والتهميش ، والغاء الآخر سلوكاً يمارس في كل مفاصل مؤسسات الدوله التي تسيطر عليها الجماعة الاخوانية حتى وان غيرت اسمها الى حزب الحرية والعدالة الا أنها تظل تمارس سياسات الظلم والتهميش والاقصاء ... ولعلك تجد آثار تلك السياسة ماثلة للعيان في الشارع المصري منذ سيطرة هذه الجماعة حيث انتزعت البسمة من وجوه المصريين ، وروح النكتة والدعابة التي كثيراً ما كنت تراها في الشارع المصري .. تجدهم (مكشرين) في حالة شعور بعدم الرضا ... مثل هذه المظاهر عكست خللاً حقيقياً في نفسية الناس ناتجاً عن غياب الامل وضبابية المشهد الذي كان للاخوان دور رئيسي في تحويله الى ظلام مخيف .. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك