هاهي الأحداث والوقائع والشواهد تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن «الإيمان يمان والحكمة يمانية» كيف لا والرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هو من قال ذلك، وهو الذي لاينطق عن الهوى، فمن حقنا نحن اليمنيين أن نتفاخر بما قاله معلم البشرية وهاديها إلى سواء السبيل عن اليمن، فقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا هاجت الفتن عليكم باليمن» وقوله: «الإيمان يمان والحكمة يمانية» يعد بمثابة أوسمة على صدور كل اليمنيين، فعندما هاجت الفتنة في الصومال لجأ الصوماليون إلى اليمن وتجاوز عدد اللاجئين المليون لاجئ، وعندما هاجت الفتنة في العراق استقبلت اليمن آلاف العراقيين، وعندما هاجت الفتنة في سوريا استقبلت اليمن آلاف السوريين، وعندما هاجت الفتنة في اليمن عام 2011م وكادت البلاد أن تنزلق نحو هاوية سحيقة خصوصاً بعد جريمة جمعة 18 مارس في ساحة الاعتصام بشارع الدائري في العاصمة صنعاء وجريمة تفجير جامع دار الرئاسة الذي استهدف القضاء على رئيس الجمهورية السابق ورؤساء مجالس النواب والوزراء والشورى وكبار قيادة الدولة والمؤتمر الشعبي العام أثناء أدائهم صلاة جمعة الأول من رجب الحرام الثالث من يونيو 2011م كانت الحكمة اليمنية حاضرة، فالبرغم من كل الأحداث المأساوية التي حدثت خلال الفترة من فبراير وحتى نوفمبر 2011م وانقسام الجيش والعلماء والمفكّرين والساسة وجماهير الشعب بين مؤيد للشرعية الدستورية وبين مطالب بإسقاط النظام إلا أن الحكمة اليمنية كانت حاضرة بقوة في كل الأحداث والمشاهد والمنعطفات التي مر بها الوطن منذ اندلاع الأزمة في فبراير 2011م وحتى لحظة انتقال السلطة سلمياً بطريقة ديمقراطية في الانتخابات الرئاسية المبكّرة التي جرت في 21 فبراير 2012م. ما يحدث اليوم في سوريا من حرب طاحنة تحرق الأخضر واليابس، وما يحدث في مصر وليبيا وتونس من فوضى عارمة وعدم استقرار ولا توافق بين مختلف القوى السياسية والفئات الاجتماعية يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الإيمان يمان والحكمة يمانية. وسيسجل التاريخ في أنصع صفحاته وبأحرف من نور أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح تعامل مع الأزمة وتداعياتها المؤسفة بحكمة وصبر وتأنٍ؛ واضعاً مصلحة الوطن والشعب فوق كل المصالح الشخصية والحزبية، فلم يتشبث بالسلطة ولم يرفض مطالب جزء من أبناء الشعب الذين خرجوا إلى الساحات مطالبين بالتغيير على طريقة الرئيس معمر القذافي في ليبيا، حيث أعلن استعداده لترك السلطة ولكن ليس على طريقة هروب الرئيس زين العابدين بن علي في تونس ولا تنحّي الرئيس محمد حسني مبارك في مصر، ولكن بطريقة ديمقراطية من خلال دعوته لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولّى الإعداد والتحضير للانتخابات، ورغم رفض أحزاب اللقاء المشترك لهذه المبادرة وكل التنازلات والمبادرات الأخرى ورغم تعرضه لمحاولة الاغتيال البشعة ومعه كبار قيادات الدولة؛ إلا أنه لم يتعامل مع تلك الأحداث بردود فعل انتقامية غير محسوبة العواقب، بل ظل يتعامل مع تطورات الأحداث بحكمة وصبر رغم الجروح البليغة التي أصيب بها في التفجير الإرهابي لجامع دار الرئاسة.. وحرصاً من الدول الشقيقة في مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية على عدم انزلاق اليمن نحو حرب أهلية طاحنة ستكون انعكاساتها سلبية على دول الجوار والملاحة الدولية تم تقديم المبادرة الخليجية والتي حملت في مضامينها إجراء انتقال سلمي للسلطة عبر انتخابات رئاسية مبكرة توافقية، وتشكيل حكومة وفاق وطني، وإجراء حوار وطني شامل، والتي تعد ترجمة للمبادرات التي كان قد أعلنها صالح منذ اندلاع الأزمة مطلع العام 2011م. ما يجري اليوم في مصر وتونس وليبيا وسوريا يؤكد أن الرئيس السابق صالح كان محقّاً عندما حرص على عدم الرحيل من السلطة إلا وفق خارطة طريق تضمن عدم انزلاق الوطن والشعب نحو هاوية سحيقة وفوضى لا نهاية لها كما هو الحال اليوم في مصر وليبيا وتونسوسوريا، ولكن هذا لا يعني أننا قد تجاوزنا مرحلة الخطر، فمازالت الكثير من الأخطار محدقة بوطننا وشعبنا من أكثر من اتجاه؛ وهو ما يستدعي من كل أبناء اليمن الشرفاء تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الشخصية والحزبية؛ وأخذ العبرة مما يحدث حولنا. رابط المقال على الفيس بوك