عندما واجه المحارب الأسطوري “هرقل” الأفعى الخرافية “هيدرا Hydre”، كما في الميثيولوجيا اليونانية، كانت مشكلته مع ذلك الوحش المرعب ذي الرؤوس التسعة، أنه كلما قطع رأساً من رؤوسه، نما في مكانه رأسان، وكلما كثرت الرؤوس ازدادت ورطة المحارب.. تماماً كما يحدث في الحرب على الإرهاب..! الضربات الموجعة التي تلقتها المنظمات الإرهابية، جعلتها أكثر انتشاراً واستفحالاً، عندما قطعت أمريكا رأس القاعدة في أفغانستان، نمت للقاعدة رؤوس كثيرة في أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا.. تصفية الإرهابي لا تحل أو تحد من مشكلة الإرهاب، نسخ كثيرة لقاتل جار الله عمر تتجول اليوم في أبين وعدن وتعز وصنعاء.. ! أمريكا لا تشبه “هرقل” النبيل، أمريكا التي مونت الإرهاب ضد روسيا، تحاربه اليوم في اليمن وتدعمه في سوريا، هذه المداورة تكشف عن اللعبة القذرة للحرب على الإرهاب، القوى الدولية لا تريد القضاء على الإرهاب، تريد ترويضه، وتوجيهه، ووضعه تحت السيطرة، إنها لا تريد قتل الوحش، فقط تلسعه بالسوط عندما يحاول عضها..! السلطات العربية تلعب هي الأخرى نفس اللعبة، هذه السلطات التقليدية المستبدة ليست مستعدة أبداً للتخلي عن سلاحها الفعال ضد خصومها في الداخل والخارج، غياب الإرهاب يجعلها في مواجهة استحقاقات وتيارات وتوجهات.. عصرية مدنية حداثية.. ستؤدي عفوياً إلى انقراضها، واجتثاثها واجتثاث الإرهاب من جذورها.. البديهية التي يعرفها القائمون على مكافحة الإرهاب، جيداً، أن الإرهاب، في موسمه الإسلامي، أكبر بكثير من مجرد منظمات إرهابية وأعمال انتحارية لُخص الإرهاب فيهما، وأن نزع التطرف من جمجمة الإرهابي يعفي من نزع الأحزمة الناسفة من على خاصرته لاحقاً، وتجفيف المنابع الفكرية والمالية والسياسية .. للإرهاب أجدى وأقل تكلفة من ملاحقة الإرهابيين.. يعرفون ذلك جيداً، لكنهم متصالحون مع الإرهاب، ويحاربون الإرهابيين، الحرب على الإرهاب مسيسة وعبثية، وتخلو من التوجهات الجادة والمسئولة لاستئصاله بشكل فعال من خلال المنابع والجذور..!! الإرهابي لم يولد إرهابياً، ولكنه أصبح كذلك، هذه الحقيقة تجعل من الإرهابي ضحية للإرهاب، مثله مثل ضحاياه المؤسفين، وتلقي المسئولية حيث يجب أن تُلقى، على الفكر الإرهابي وأربابه، الخطب المتطرفة والمحاضرات المتزمتة والكتب والنشرات.. التي يتلقاها الناشئة على يد دعاة التطرف وعلماء السوء، في المساجد والمدارس والجامعات التابعة للجهات المتطرفة .. تستلب إنسانيتهم وشخصياتهم، وتحيلهم إلى أدوات قتل عمياء بشعة.. أن يضع رئيس عربي قراراً بتحرير المساجد من قبضة المتطرفين، ونزوات فصائل الإسلام السياسي، وقيام الدولة بواجبها بالإدارة والإشراف على أنشطة دور العبادة، وتبنّى وتعميم خطاب إسلامي حضاري ناضج، يمثل الخطوة الشرطية الأولى لمكافحة حقيقية للتطرف والتزمت والطائفية، وقطع دابر الفتن والإرهاب، . قرار حيوي وبنيوي واستراتيجي، مثل هذا، يمكن توقع صدوره في اليمن، تلبية للضمير والمسئولية الوطنية والأخلاقية والدينية، لصالح الوطن والشعب والمستقبل، لهو أهم من كل الأدوار التي تلعبها اليمن في مكافحة الإرهاب، ثم ما الذي فعلته أو جنته اليمن حتى الآن من الحرب المسلحة والأمنية على الإرهاب، الإرهاب يتسع ويتنامى باطراد، تبعاً لعدد العمليات العسكرية وطلعات الطائرات بدون طيار.. في حرب تبدو مفتوحة على الأبد..!! أدري، الإخوان، الحوثيون، السلف.. جامعو التبرعات، متعهدو الحروب.. كل فصائل الإسلام السياسي ستشعر بالتهديد من قرار مصادرة ما صار على غفلة من الزمن حقاً طبيعياً لها، لكن القرار سيكون أعظم القرارات، وأسهلها تنفيذاً، وقد ينبغي التذكير أن من القرارات الاستراتيجية القليلة التي سيحفظها التاريخ للرئيس السابق، قراره بضم المعاهد العلمية من حظيرة الإسلام السياسي إلى حضن الدولة، ذلك القرار سحب جزءاً كبيراً من البساط الذي كان يتمدد عليه أحد أكبر المشاريع الإسلامية المسيسة. قرار تحرير المساجد لتكون لله، وكما أراد الله، ولما أراد الله، هو بمثابة الضربة القاضية، التي وجهها هرقل للأفعى هيدرا، لقد اكتشف هرقل أخيراً بأن قطع الرؤوس يؤزم الوضع أكثر، فأعفى ذراعه الصلبة وسيفه الصارم، من القتال، وقام بحرق جروحها بالنار قبل خروج أحد الرؤوس الأخرى، عندها تجمدت رؤوس الشر مرة واحدة، انهارت الهيدرا، وتلقائياً تساقطت وتهشمت على الأرض.. رابط المقال على الفيس بوك