كأي (مواطن) عربي مغلوب على أمره، منبوذ مدحور فوق أرضه مطارد محاصر مسلوب منكل به من قبل حكامه، ما يزال يحاول أن يستقوي على مواجهة وتحمل أصناف القهر والتجويع والتغييب والتهميش بالحلم. الذي لا ينفك يتلمس متعقباً آثار وجوده هنا وهناك معلقاً كل آماله عليه. برغم من تجربته الطويلة في تكرر تجرع مرارات احتضاره وفقدانه. فكلما ظن أنه قد فتحت نافذة له عليه، سارعت هذه النافذة الحلم بالانكماش والتلاشي، بدلاً من التمدد والاتساع. كما هو عليه حاله اليوم مع الحلم الذي هلت بشائره بتفجر ثورات الربيع العربي. هذه الثورات التي قبل أن تتماثل للوقوف والتقدم جغرافياً. توقفت حيث هي شبه عاجزة لا على التقدم والانتشار وحسب بل وغير قادرة في الوقت نفسه على ان توفر لوجودها أسباب التجدد والتجذر والرسوخ أو أن تقدم نفسها كثورات حقيقية تحمل مشروعاً واضحاً يمكن الالتفاف حوله والوثوق به والاطمئنان له.. الأمر الذي أخذت معه تلك النافذة من الحلم التي كانت قد فتحت للتو، تضيق وتتقلص، حتى غدت بالكاد مقتصرة على متابعة ما ستؤول إليه وتستقر عنده الأوضاع في مصر العربية التي شهدت ومازالت أحداثاً ساخنة، وتحركات شعبية واسعة، ونشاطات سياسية متباينة وإجراءات واستقطابات وتجاذبات ومناورات وتدخلات عربية و أجنبية قارية وعالمية مكشوفة ومخفية متسارعة والتي ما كانت لتكون بهذا القدر من التعقيد والتداخل لولا ما يكتنزه الشعب المصري من مؤهلات حضارية إنسانية مدنية تؤهله لأن يجتاز بثورته إلى بر الأمان. وأن يعيد بذلك الحياة إلى ثورات الربيع العربي ولدورها الذي استطاع مناوئوها ومناهضوها من قوى وحكومات وتنظيمات رجعية أصولية تابعة، وتكوينات مأزومة من حرف مسارها ومصادرة وإبهات جذوتها وجرها إلى بؤر الاحتراب والتناحر يحفها الغموض والخوف، وضياع الأمن والاستقرار. وإذا كان حجم ومكانة ودور شعب مصر مازال حتى الآن يمدها بزخم التمسك بالثورة وعدم التخلي عنها بالدخول في مساومات وحلول منقوصة إلا أن هذا لن يجعلها في مأمن من جملة مخاطر المؤامرات والتهديدات والضغوطات التي قد تلحقها وبشكل أكثر مأساوية بمصير غيرها من دول ثورات الربيع العربي. وهو مصير مؤلم يقتضي تجنبه وعدم الوقوع فيه.. تنبه القوى الثورية المصرية إلى مكامن الضعف التي يجري وبشكل حثيث إلى توسيعها والإبقاء عليها من قبل أعداء الثورة ليسهل لهم بواسطتها استدراج قوى الشعب الثورية إلى داخل مطبات ومآزق تؤخر من حسم الصراع الدائر لصالح مصر والأمة المصرية، ولعل أهم نقاط الضعف التي يتوجب التنبه لها ومواجهتها هي: 1 التوقف عن مواصلة اللجوء إلى الشارع لزجه في أتون مواجهات بينية ثانوية مفتعلة، تفضي إلى إرباك وأضعاف وتشويه مسار الثورة. 2 عدم الانجرار خلف كل ما من شأنه تغذية المزاج العام للبحث عن رموز فردية عسكرية أو مدنية لتحل محله وتنوب عنه وتتصرف باسمه، لما يشتمل عليه شيوع هذا المزاج من دعم لمظاهر الاستقواء على القوانين والأنظمة والحلول محلها. 3 التعجيل من عملية استعادة العمل بالدستور، والبدء في تحديد شكل وصورة الدولة القادمة ووضع القوانين والأنظمة التي تضمن تحقيق أهداف الثورة. وتمنع طرق الالتفاف عليها والعودة بها إلى ما قبل 25 من يناير، لا عن طريق الإقصاء والحد من الحريات وارتجال التصرفات وإنما عن طريق سن نظم وقوانين وتشريعات تتكفل وتحترم وتنتصر لقيم العدالة والمساواة والديمقراطية والحرية تحت سقف دستور ينحاز ويقف على مبدأ المواطنة المتساوية والعادلة حق للجميع، ومقدم على القناعات السياسية والإيديولوجية والخيارات الدينية والمذهبية والعقائدية. رابط المقال على الفيس بوك