المعروف أن ذبح الأضاحي من الأنعام (الضأن/ الماعز/ البقر/ الإبل) فيه رمزية الفداء لهذا الإنسان الذي كرمه الله وعصم دمه, بدءًا بافتداء الله لنبيّه إسماعيل بن نبيّه إبراهيم عليهما السلام بذبح عظيم, ليصبح الذبح شعيرة أممية حتى مجيء الإسلام وإحياء خاتم الأنبياء والمرسلين هذه الشعيرة تأكيدًا لقداسة هذا الإنسان وحرمة إراقة دمه .. ولا عبرة في إراقة دم الحيوان إلا التزام المسلمين بمبدأ السلام وصون كرامة الإنسان في هذه الحياة القائمة على سنة التنوع والاختلاف والتدافع في الأرض, وإحياء مبدأ التكافل بين الناس حين يتذكر الغني جاره أو أخاه الفقير, فقد قال الله في كتابه الكريم: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم), فأنت بالأضحية تتقي الله بسلوك منهجه القويم في السلام والمحبة والعطف والتراحم. ولقد أعجبني ما قاله الرئيس الأمريكي باراك أوباما في برقيته التي بعث بها إلى رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي مؤخرًا, بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك, فمما قاله: (.. إن المسلمين حول العالم سيقضون عيد هذا العام يتأملون في علاقتهم مع الله, ويحيون ذكرى إبراهيم بالتضحية بابنه, وذلك عن طريق التبرع بالطعام لأولئك الأقل حظًا), وأضاف قائلاً: (.. هذا القدر من الناس ذوي الخلفيات العرقية والاقتصادية المتعددة, عندما يتغلبون على خلافاتهم ليتمكنوا من التركيز على أمر أعظم؛ فإن هذا يعد درسًا للبشرية جمعاء بأن تنوعنا هو مصدر قوة وهبنا الله إياه, ويجب علينا تقبله بسرور). أصاب أوباما.. وأخطأ المتنطعون والتكفيريون وقاتلو الشعب حفاظًا على الدولة!! فلكم يا قرائي الأعزاء أن تتأملوا كيف أصبح حال المسلمين اليوم مع شعيرة الأضاحي, وكيف هو حالهم مع سلامة الإنسان وصون حياته.. لاشك في أن الأمر تحول إلى العكس .. لقد أصبح الإنسان أضحية يراق دمها في كل مكان.. أرواح بالمئات تتساقط كل يوم كأنهم من بهيمة الأنعام!! .. والمضحون/ القتلة كثيرون, وفبركاتهم كثيرة, وحججهم الباطلة كثيرة, ما بين متقرب إلى فكره المنحرف عن جادة الإسلام, وبين متقرب إلى سيده الأجنبي أو سيده الداخلي وكرسيه ليبقى إلى الأبد قائدًا أوحد على بحيرة من الدم, وبين متقرب إلى نزواته وشروره وبلطجته, مضحيًا – كما يزعم – بجزءٍ من الشعب ليحيا كل الشعب!!. هكذا تحول الإنسان في وطننا العربي إلى أضحية, كلٌ يتقرب بها على طريقته في زمن يموج بالفتن والأهوال والتتار والمغول الجدد الذي يقتلون اليوم بدم بارد.. جريًا على سنن أجدادهم الذين نزغهم الشيطان بعبدالله بن سبأ وانتهى الأمر بالتضحية بخليفة المسلمين عثمان بن عفان في مثل هذا الشهر الحرام (ذي الحجة), حتى قال أحد الشعراء آنذاك: ضحوا بعثمان في الشهر الحرام ضحًى فأي ذبح حرام ويلهم ذبحوا؟! ثم جاء العصر الحديث, وعاد هواة القتل ليضحوا بالرئيس الشهيد صدام حسين في يوم عيد الأضحى, واستمر هذا القتل مع إرهاب بعض الأنظمة وإرهاب الجماعات الإرهابية, وكلاهما سواء في إسقاط الأبرياء أضحيات وقرابين يومية بلا هوادة. أما الأضاحي من الأنعام فإنها – و يا للعجب – نجا كثيرها من الذبح في العيد, وها هي الآن تنعم بالسلامة في حظائرها بسبب الغلاء الفاحش الذي حال دون أن يضحي الفقراء بها إحياءً لسنة أبيهم إبراهيم.. لقد صار دم الإنسان عند رجال القتل أرخص من دماء الأضحية .. فما أسهل اليوم أن تسمع عن سقوط عدد من الأبرياء في لحظة واحدة, وما أصعب أن تسمع عن تجمع سكني حدث أن اشترى فيه أحد الساكنين مذبوحًا لأولاده؟ .. إنه زمن نجاة (الأضحية) وسقوط (الضحية), ولا حول ولا قوة إلا بالله. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك