السفير الذي ينفق كل أحد خمسة آلاف دولار على وجبة عشاء في السرايا العائمة، لمجموعة من المصريين الذين ابتلعوه منذ وصل القاهرة، كان جديراً به أن يلتفت إلى الإنسان النبيل خالد الصوفي، الثاوي في ركن قصي من مستشفيات القاهرة، وكان الأجدر أن يتم تعيين خالد الصوفي سفيراً لليمن في مصر، هذا إذا اعتبرنا أن المهمة الأساسية لكل سفير هي توطيد علاقة بلاده في الدولة التي يقيم فيها، وفتح آفاق جديدة للعلاقات، ورعاية مصالح وأبناء بلاده في تلك الدولة، ولا أظن أحداً أنفق ماله، وأحرق عمره في خدمة اليمنيين في مصر مثل خالد الصوفي يوم أن كان طالباً في الدراسات العليا. في نهاية التسعينيات ابتعثت جامعة صنعاء الشاب المتفوق والمعيد في كلية الإعلام بجامعة صنعاء خالد الصوفي لدراسة الماجستير والدكتوراه في القاهرة، وقليلاً ما كان ينصرف إلى دروسه، أو يذيق جسده طعم النوم تحت المكيفات، لأنه من بزوغ الفجر إلى منتصف الليل، مشغول بأمر اليمنيين: يستقبل مريضاً، ويودع طالباً، ويساعد محتاجاً، ويبحث عن متخصص في القلب لهذا، ومتمكن في العيون لعلاج هذا، ومتبرع بدم لزوجة هذا المسن، ومرافق لهذا المصاب، وعليه أن يراجع لهذا الطالب في الكلية، ويساعد هذا في خطة البحث، ويوفر المراجع لهؤلاء المنتظرين لخدماته، ويبحث عن سكن آمن وقريب لتلك الطالبات اليمنيات، وما تبقى من الوقت يجب إنفاقه في فسحة وتمشية اليمنيين الضيوف على القاهرة، دون أن ينسى حشو محفظته بأكبر كم من الجنيهات، حتى يقف أمام المحاسب واثقاً. مرةً قال لي أحد أساتذة كلية الإعلام: خالد الصوفي أخربه كرمه. وتابع: هذا الرجل لا يدخر شيئاً لبكره، ينفق كمن لا يخشى الفقر... ثم استطال في الحديث عن المآدب التي كان ينفقها على اليمنيين الضيوف: وزراء ورؤساء جامعات وأكاديميين ونواب وطلاب وصحفيين وأصحاب البلاد... و«عرطات» وهم الغالبية. حين عاد خالد إلى جامعة صنعاء عُيّن رئيساً لقسم العلاقات العامة، وبعد أسابيع قليلة جرت الحياة في شرايين القسم، ورأيت موظفي العلاقات العامة في عدد من الوزارات يأتون إلى الكلية لحضور دورات نوعية في العلاقات، فقد أراد هذا الشاب النشيط أن يجعل للقسم موارد دخل حتى ينفق على الوحدات المقرر إنشاؤها وفي مقدمتها وحدة قياس الرأس العام، ومنذ وهلته الأولى طالب بتغيير معظم المنهج المقرر في القسم، حتى يتسق مع زمانه وعصره.... واستقال!. خلال ثورة التغيير تقدم مجموعة من البلاطجة وجنود الحرس الجمهوري سابقاً، نحو الأكاديمي النبيل ودخلوا معه في حوار عسكري، أشبعوه ضرباً ولكماً بأعقاب البنادق حتى تمزقت العضلات السفلية للعمود الفقري، فضلاً عن استنشاقه لكمية كبيرة من الغاز السام، ليصبح بعدها ضيفاً عزيزاً على مستشفيات القاهرة، يعاني من صعوبة الحركة والوقوف، ومن آلام حادة في الحوض، وصعوبة في التنفس. في مجلس جمعني بزملاء كثر قبل شهر فتحت موضوع خالد، فاستغرب الجميع لأن الرجل العزيز لم يتحدث مع أحد، وبدأ بعضهم يكتب على صفحات “الفيس بوك”، وقررت إيصال هذه الرسالة عبر الصحافة إلى رئيس الوزراء ورئيس جامعة صنعاء ووزير الإعلام، وقبل أولئك الطيبين رئيس الجمهورية، واعتقادي الدائم أن مدير مكتبه الإنسان النبيل نصر طه مصطفى سيكون السند والعون للدكتور خالد الصوفي، فمواقف هذا الرجل الشهم “نصر طه” كانت كثيرة وجليلة أثناء علاج الزملاء: فاطمة مطهر، وصالح الحميدي، وعبدالسلام جابر.. والقائمة تطول. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك