جائزة نوبل، حق شخصي ل«توكل كرمان» مثلها مثل كل من مُنح الجائزة، ولا أحد يطالبها بتسليمها إلى أحد، فمن حقّها أن تستفيد بها، وهو الأمر الطبيعي والمُتعارف عليه، قرارها بالتبرُّع بقيمة الجائزة وبهذا المبلغ الكبير؛ هو قرار استثنائي لامرأة استثنائية، علينا أن نقول ذلك بغض النظر عن الاختلاف والاتفاق وهو أمر غير قابل للتأويل السلبي مهما كانت الخصومة؛ لأن مثل هذا التأويل يكشف نفسية غير سويّة، ولأننا في زمن الناس والمسؤولون الكبار يأخذون حق غيرهم فما بالك بحقهم، ولأننا في عصر خيانة الأمانة فيه شطارة، واللصوصية عمل رجال..!!. فمن واجبنا الإشادة بالأستاذه «توكل» وهي تسلّم قيمة جائزتها لصالح جرحى الثورة، وهذا أيضاً له دلالة الارتباط الوثيق برفاق الثورة وأخوّة الدم, الثورة لدى «توكل» متغلغلة في روحها بحيث أصبحت صورة ثورية بارزة منذ أن حسمت أمرها مبكّراً عندما كان لا أحد من الرجال وأصحاب القوة يستطيع الحديث عن التغيير وكلمة «ثورة». تبرُّع «توكل» بجائزتها يدعو إلى الفخر، وهناك أمر إضافي يدعو إلى ذلك وهو الوفاء بالوعد في زمن ضاع فيه الوفاء بالوعد؛ ولم نر إلا وعوداً كسراب بقيعة، هنا تبدو الرسالة المعنوية والأدبية أغلى بكثير من القيمة المادية بما فيها من تعالٍ على المال والمادة التي خرّبت العباد والبلاد، وهي قيمة ثورية تؤكد قوة الفرد عندما يتغيّر؛ معتنقاً قيماً بيضاء، حيث يتحوّل إلى قوة إنسانية للبناء والعدل والحضارة. والمرأة هنا التي كانت رمزاً للضعف؛ هي من تقدّم هذا النموذج كمفارقة ذات دلالة زادت بتسليمها إلى امرأة أخرى هي الثائرة «سارة عبدالله حسن» مسؤولة صندوق رعاية الشهداء؛ وهي أيضاً نموذج للمرأة الثائرة والمثقّفة التي تحمل هم الوطن، وتعمل من أجل الحقيقة والإنصاف من خلال البُعد عن التعصُّب، والبحث عمّا يفيد الناس ويدعم الحقيقة الوطنية من خلال نشاطها العام وكتاباتها المتزنة بعيداً عن الظاهرة الشائعة «عنزة ولو طارت». أعتقد أننا أمام نموذجين رائعين للمرأة اليمنية يستحقان الإعجاب، ويعطيان مؤشراً كبيراً في أن يتعافى الناس وينطلقون إلى بناء الوطن بعيداً عن المصالح الخاصة، ويرتفعون بالأدوات الحزبية إلى مستواها الوطني كوسائل لخدمة الوطن بنماذج تذهب بالعمل الحزبي إلى مساره الوطني العام بعيداً عن التعصُّب الضيّق. الإصلاحية «توكل» والاشتراكية «سارة» نموذجان يزيدان من بهاء الصورة الثورية والحزبية معاًَ، المرأة يمكنها أن تكون أكثر قُدرة على تمثيل القيم الوطنية، وأكثر تضحية بما تملك من عاطفة الأمومة التي لا تخطئ ولا تفرّط؛ نأمل ذلك. في نفس السياق لفت نظري مقال الأستاذة «غادة العبسي» أمس هنا على عمود «أضواء» وهي تؤكد أن لها موقفاً سلبياً من «توكل» بل موجوعة؛ ولكنها لا تملك إلا أن تشيد بها وموقفها؛ هذا المعنى المتّسم بالإنصاف ليس أمراً عابراً؛ بل جديد على بيئتنا؛ وهو ما نفتقده وفي أمسّ الحاجة إليه كأساس يحفظ طاقات الوطن ويمكّن اليمنيين من الاستفادة من كل إيجابي ومن كل مواطن دون مواقف مُسبقة؛ لأننا بحاجة إلى هذا الإنصاف الذي لا يتخذ مواقف مسبقة، ويحدّد صور الدعم والمعارضة مع مواقف الناس وليس مع أشخاصهم، فلكل شخص وجماعة وطنية أياً كانت خيراً وصواباً يستحق أن نكون معه؛ وشراً وأخطاء يوجب أن نكون ضدّه, ومنطق «يا معك أو ضدك على طول بخلفية الرضا أو السخط» هو منطق عدمي يقف وراء خراب البلاد العربية وتخلُّفها، وهدر طاقات الأمة لصالح الكراهية والتقزُّم والتناحر المُهلك. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك