تشهد مدينة تعز هذه الأيام حملة غير مسبوقة لإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف ، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، ويظهر ذلك جلياً من الشعارات الكتابية التي تناديك من على واجهات بعض المباني أو من على الأسوار في كثير من شوارع المدينة ، وهي ظاهرة إيجابية في سياق العودة بنا إلى النبع الصافي ، وإلى سيرة أعظم معلم في التاريخ ، واستحضار شخصه الكريم نصب أعيننا ، ليس إجلالاً وتكريماً وحسب ، وإنما تمثلاً واسترشاداً بنهجه القويم (صلى الله عليه وسلم) ، وخروجاً نسبياً من ذواتنا المقصرة والمسيئة ، إلى آفاق الكمال الإنساني ، بكل ما يحمله من معاني الصدق ، والأمانة ، والرحمة ، والتواضع ، والتسامح، والحياء، والعفة ، والعزة ، الحب ..إلخ كما أن إحياء هذه الذكرى الشريفة فرصة جيدة لنا - أفراداً وجماعات - لمراجعة مواقفنا ، ومحاسبة أنفسنا ووزنها بميزان الهدي النبوي الرباني ، وهي كذلك مناسبة للتقارب وإعادة اللحمة إلى الجسد الواحد .. ولكن في حقيقة الأمر إن الواقع ليس بهذا الجمال ولا بهذه المثالية للأسف ، فما نراه اليوم من شعارات وفعاليات احتفالية ليست سوى مؤشر انقسام ، ومظهر من مظاهر النزاع والخلافات ، وليس سوى وسيلة جديدة للإعلان عن توجهات فكرية ومذهبية ، ومثلنا كمثل الأبناء الذين يتنازعون أبيهم ، كل واحد منهم يدعي أحقيته وحده فيه دون البقية ، وأنه فقط الابن الشرعي لهذا الأب ، (تقدس وتكرم نبينا محمد عن هذا المثل) .. ما كنا نشاهد قبل اليوم مثل هذه الإعلانات المسبقة للاحتفال بميلاد نبينا الأعظم على هذا النحو ، وكان أقصى ما نعبر به عن ذلك هو التذكير بشمائله ومناقبه – صلى الله عليه وسلم – في خطب الجوامع ، أو إقامة الموالد التقليدية في البيوت ، أو عرض فيلم الرسالة على القناة الرسمية للدولة ، في تناغم واتساق مجتمعي إيجابي وصحي .. ولكن ماذا لو خرج علينا رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – في هذه الأيام ، ورأى حالة الصراع والاقتتال الفكري المذهبي في بلد الإيمان والحكمة ، بهذا الشكل السخيف وغير المبرر؟!لا أظن أبداً أن نبي الرحمة والإنسانية يقر أو يرضى لنا هذا الوضع المؤسف ، ولا يجوز لنا بأي شكل من الأشكال تسويق مناهجنا الفكرية أو السياسية مختومة بختم (الولاء لآل البيت) أو أي من المسميات المزعومة !! وعلينا أن نترفع عن الابتزاز الرخيص لبعضنا البعض ، والاقتتال وممارسة العنف اللفظي أو الفعلي ضد بعضنا البعض تحت راية (أنا الإسلام).. ما يرتضيه لنا نبينا العظيم يا أبناء جلدتي هو التلاحم والاعتصام بحبل الله ، ونبذ الفرقة والخلاف ، وحسن الظن ببعضنا البعض، وحقن دمائنا ، والولاء للوطن الذي يجمعنا ، واتباع سبيله القويم دون تطرف أو مغالاة ، وبعيداً عن التشدق بحبه والمبالغة في إطرائه (كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم) .. فهل نجعل من هذه المناسبة فرصة للعودة إلى سبيل الرشاد ، وامتثال نهجه الكريم (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه) ولو على مستوى الأفراد كحدٍ أدنى؟!!.