لأن تفاصيل المفاوضات والحلول لإيقاف الحرب في «دماج» لم تُعلن بعد، ولم يظهر منها سوى خروج من كان هناك إلى مكان غير محدد، فقد بدا المشهد سيئاً للغاية، وكشف سوءات العديد من الأطراف ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة بما حدث. أعتقد أن المهجرين كانوا ضحية وقد جرى بيعهم بثمن بخس في الواقع، لكنه عند البائع كان ضرورياً للحفاظ على ماء الوجه والقبيلة. كان بالإمكان أن يكون الحل هو السلام والتعايش غير أن الأمور سلكت مسلكاً خاطئاً، ومن المؤكد أن النتائج سوف تكون سيئة وربما كارثية على المدى البعيد. ربما يكون الضحايا أنفسهم قد أخطأوا في جانب من جوانب الصراع وركنوا إلى الشيطان الذي تبرأ منهم لاحقاً وباعهم مقابل ما يعتقد أنه ثمن لماء أريق في مكان آخر لعله يحافظ على بقايا ذلك الماء، وهو لا شك سيُراق لاحقاً حتى لا يبقى منه شيء. اشترك البعض في الخطيئة التي لا يراها البعض منهم على أنها خطيئة، وتعاطى كل طرف مع الحدث كمخرج من ورطة.. وليست كل المخارج آمنة وصحيحة. ما حدث كان بمثابة قص الشريط إيذاناً بصراعات قادمة وحلول مماثلة ووجّه أول طعنة قاتلة في صدر التعايش السلمي بين الناس والمذاهب في هذا البلد. لا أناقش هنا أسباب الحرب ومن كان منهم على حق ومن كان على خطأ.. فهذا الأمر كان ينبغي أن تقوم به الحكومة والأحزاب الشركاء في السلطة، ومنها يكون الحل الذي يضمن التعايش ويوقف أسباب التوتر والصراع ،غير أن الأمور سارت بطريقة غير متوقعة وجاءت الحلول لتعكس واقعاً لطالما حاولنا أن نخفيه وهو ضعف الدولة. سوف نسمع كثيراً عن معاناة المهجّرين، وسوف تبقى بذور الحقد والكراهية كامنة في ذاكرة ووعي فئة من الناس وجدوا أنفسهم مستضعفين في هذه الأرض، أو هكذا يُنظر إليهم من قبل أنصارهم والمتعاطفين معهم وبذور الحقد والعداوة لابد أنها ستنبت يوماً شكلاً من أشكال الانتقام. الحلول الترقيعية في كل الأحوال ليست مجدية وربما أنها تتسبب في مشكلات أشد تعقيداً.. وهي ليست حلولاً بقدر ما هي مهدّئات وترحيل للأوجاع والآلام. الضحايا اليوم يشعرون بحجم الخديعة التي وقعوا فيها.. وهم يعلمون جيداً من الذي خدعهم ومن الذي حولهم إلى ثمن بخس من أجل وجه لا ماء له في الأساس. ربما أن هذا الذي حدث كان هو الحل الوحيد أمام الجهات المعنية نظراً لظروفها وما تلاقيه من ضغوط داخلية وخارجية، لكنني لست مقتنعاً أن ما حدث هو إرادة دولية لأنه ضد المبادئ التي ينادي بها المجتمع الدولي في أشد الظروف توحشاً، ولكن جرى إشهار أو التلويح بالعصا الدولية ليقتنع الضحية بما يحدث له ويعلل نفسه بأن العالم ضده وما كان ليخسر لولا الإرادة الدولية. أنا على قناعة بأن أطراف الحرب تتقاسم أخطاء البدء بالحرب والصراع، ولكن الحقيقة أن الجهود لم تكن كافية من أجل حلول تعايشية، وأن الذي دعم طلاب العلم ليتحوّلوا إلى مقاتلين هو من خذلهم وباعهم في منتصف الطريق ومن ثم تبرأ منهم كما يتبرأ الشيطان من أوليائه يوم القيامة. لم يكن مطلب الدعم لاستمرار الحرب ولكن من أجل حلول تساعد على التعايش مستقبلاً.. دعم ينتصر للعقل والسلام ويؤسس لواقع يستفيد منه الجميع وسائر المذاهب دون استثناء.