دعني أسألك: هل أنت مثقف؟ ربما تجيب بنعم على اعتبار أن المثقف لديك هو منْ يملك وفراً من المعلومات مخزّنة في الدماغ! فهل الثقافة تقاس بكم المعلومات المتراكمة؟ أم بماذا تُقاس؟ المشكلة إن الثقافة مصطلح غائم حتى إنه يمكن إحصاء مئات التعاريف لمصطلح الثقافة! فمصطلح الثقافة جاء كترجمة لمصطلح culture، التي يعرّفها تايلور «هي ذلك المركب الكلي الذي يشتمل على المعرفة والمعتقد والفن والأدب والأخلاق والقانون والعرف والقدرات والعادات الأخرى، التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع». فالمعارف والمعتقدات المتنوعة هي من سمات الثقافة التي قد تدمج في مسمى واحد هو المعلومات.. إذا كان من ربط بين المعلومات المتراكمة والمثقف فهو بالأحرى ربط التوظيف أكثر من ربط المراكمة، فالمثقف هو الذي يوظف تلك المعلوماتية المتراكمة لديه في هذا النقد الاجتماعي من خلال نظرته الشاملة نحو الموضوعات العصرية التي تمس مجتمعه الذي يعيش فيه، بل قد يتوسع - بقدر توسع ثقافته - ليقدم نظرته الشخصية الخاصة بالكون كله. لكن المثقف لا يأتي من فراغ بل يبدأ تفكيره «انطلاقاً من مثقف سابق: يستوحيه، يسير على منواله، يكرره، يعارضه، يتجاوزه.. ليس هناك مثقف يفكر من الصفر». انتظر لحظة! قلت الذي يفكر، أليس هذا المفكر؟ الإنسان بطبيعته كائن مفكر، لذا فالمثقف كائن مفكر. فالمثقف «مهنته التفكير في الأفكار» لكن دعنا من هذا الكلام النظري، وتعال للواقع، الدكتور عبدالوهاب المسيري يرى أن «المثقف الذي لا يترجم فكره إلى فعل لا يستحق لقب المثقف». فما فائدة التشدّق بالمصطلحات والمفاهيم والأفكار المجردة إذا هي لم تدخل في تحسين حال المجتمع لأن المثقف «يتحدد وصفه بالدور الذي يقوم به في المجتمع كمشرّع ومعترض ومبشّر بمشروع أو على الأقل كصاحب رأي وقضية». لذا لم أرَ في تراكم المعلومات شرطاً في تسمية الشخص بالمثقف الذي يجب أن يلتحم مع قضايا بيئته ومجتمعه الذي ينتمي إليه بحيث يكون عضواً فعاّلاً لا مجرد «آلة» خزن معلومات لا فائدة منها ، كما يقول الدكتور المسيري: «المثقف يجب أن يكون في الشارع» أي يكون ملتحماً مع قضايا مجتمعه لا منزوياً في برج عاجي ينظّر في الفراغ دون أن يترك أثراً.