الأخبار والتقارير الصادرة عن منظمتي الأغذية والزراعة والصحة العالمية تكررت عن وجود أزمة غذائية وصحية في اليمن أدخلت نصف السكان وخاصة الأطفال والأمهات - وهم بالطبع فقراء ومحدودو دخل - في نفق مظلم لايقل عن الحالة في سوريا والصومال، وهما دولتان عربيتان طحنتهما الحرب الأهلية المخيفة بما تسفر عنه المعارك القتالية وبأسلحة ثقيلة، التي تملكها القوى السياسية الماضية في الفتك بالشعوب وباسمها وليس لديها أي استعداد لإلقاء تلك الأسلحة من أجل نفس الشعوب التي أصبحت بين كماشاتها ولم تنقذها الدول الكبرى في مجلس الأمن أو تلك التي مافتئت تهدد وتدعو إلى عقوبات على المتحاربين حتى يجلسوا على طاولة المفاوضات وجهاً لوجه برعاية الأممالمتحدة وممثليها الذين عيّنهم مجلس الأمن.. أما اليمن فقد قيل: إنها أفضل حالاً من حيث المعارك الكبيرة سوى تلك التي حدثت في عام 2011م وأذهلت المرضعات لما خلفته وفي غضون أسابيع قليلة من دمار طال منشآت ومصالح عامة وخاصة وفي مقدمتها الخدمية وما تلك المعدات والأجهزة والمواد الخاصة بمؤسسة مياه وكهرباء الريف ومؤسستي المياه والكهرباء بالإضافة إلى وكالة أنباء سبأ ووزارة الاقتصاد والصناعة التي أتلفت كل محتوياتها وواجهاتها الجميلة الباهظة الثمن، وهيئة الطيران المدني والأرصاد ومبنى الخطوط الجوية ووزارة الداخلية ناهيك عن المعسكرات ومافيها من المدرعات والسيارات الناقلة للجنود والأسلحة الثقيلة وذخائرها. لكن أفدح الخسائر الناجمة عن الصراع المسلّح بين الأقوياء اليمنيين هو الإنسان الذي حوصر بشكل مباشر في طعامه وسكنه ووظيفته، ومن ذلك المزارعون الذين ينتجون المحاصيل الغذائية أو يصدّرون جزءاً منها إلى الخارج ومن مناطق الانتاج إلى الأسواق الداخلية بسبب التقطعات في أسوأ الأحوال وارتفاع أسعارها وتلف بعضها تحت حرارة الشمس أو شدة الرياح أو الشحن العشوائي العبثي. فالحقيقة التي لم تستطع الدولة في خلال الثلاث سنوات الفائتة استيعابها هي أن الجوع وسوء التغذية قد خلقا حالات وفاة مرتفعة بين أكثر من نصف السكان ونجم عنها أمراض عدة أضيفت إلى مايشبه الوباء في أمراض السرطان والقلب والفشل الكلوي والسكر والإيدز، بحيث قفز هذا الوباء ومعه الملاريا أو حمى الضنك وأمراض السّلّ في اليمن إلى المرتبة الأولى بين الدول الأكثر فقراً ووعياً وبطالة يضاف إلى ذلك كثرة الحشرات والمواد الكيماوية الزراعية المحظور استخدامها دولياً إلا في اليمن لمخاطرها المباشرة على البيئة والتربة، والصحة والمياه كالتي اكتشفت وبكميات كبيرة في منطقة الجراف بصنعاء ومازال مالكها ومالك الأرضية التي دفنت فيها على عمق ثلاثين إلى أربعين متراً حراً طليقاً كما تفيد بعض المنظمات المتخصصة المحلية، وتقلّب المناخ وشحة الأمطار، كل ذلك أدى إلى وقوع اليمنيين بين جملة مآزق بعضها فوق بعض لن ينقذنا منها إلا إذا تخلت القوى المتحاربة وبلا هوادة سراً وعلناً وكأنها أقسمت على محو اليمن واليمنيين من الخارطة عن سلاحها وأنانيتها وأحقادها المتبادلة.