بعد يومين تهلُّ علينا ذكرى حصار السبعين يوماً التي حوصرت فيها صنعاء من قبل الملكيين بعد خمس سنوات من الثورة، كان الملكيون قد حشدوا جمعهم وسلاحهم لإسقاط الجمهورية وإعادة الملكية لحكم اليمن كانوا مسنودين إقليمياً وبقوة المال والسلاح.. كل شيء كان جاهزاً لإسقاط صنعاء, قوة الجانب الملكي المدعوم والمال المصاحب وضعف الجانب الجمهوري.. لقد عملوا حساباً لكل شيء، باستثناء الجماهير المؤمنة بالثورة والشباب والقوى الجمهورية التي كانت تعرف ماذا تعني عودة النظام الإمامي لحكم اليمن بما فيه من انحناء الكرامة وتقبيل الرُّكَب والاستعلاء المقيت والظلم المكثّف بالويلات والظلام الدامس. قاوم الثوّار - على قلة عتادهم وعددهم - ببسالة، هجوماً وحصاراً استمر أكثر من سبعين يوماً امتصت كل قوة الجحافل الهمجية التي كانت توزّع المال لرؤساء العشائر الذين بذلوا وخانوا في يوم وليلة ولم يثبتوا أمام اغراءات المال وضعف الوازع الوطني.. وقد برز في هذه الملحمة التاريخية الجنود وصغار الضباط في الجيش الجمهوري بقيادة عبدالرقيب عبدالوهاب، ومحمد صالح فرحان الشرعبي، وآخرين من مناطق اليمن قدموا صوراً أسطورية للبطولة والفداء، و بذلوا دمهم من أجل تخليص اليمن من حكم سلالي أدخل اليمن - لقرون - في كهوفه المظلمة والشديدة الحقارة.. ومع تساقط كثير من زعماء القبائل أمام الإغراءات والتي كانت سبباً رئيساً في تقدّم الإماميين إلى بوابة العاصمة، بسبب انتشار الخيانات، والبيع والشراء التي كانت سمة بارزه للكثير حينها واستمرت لفترات تصنع الانتكاسات في مسيرة الثورة، فإن جزءاً مهماً من القبائل وقف مع الجمهورية إلى آخر نَفَس ومثّل مع الضباط والجنود سداً منيعاً دحر فلول الملكية التي كادت أن تُسقط صنعاء ومعها الثورة والجمهورية. وللأمانة فإن كلّ من يقرأ التاريخ، سواء اختلف أو اتفق مع بيت الأحمر وقبائل حاشد فإن الشيء الذي يتفق عليه الجميع هو موقف الشيخ الأحمر الثابت والمؤثر من الثورة اليمنية، ومحاربة الملكيّة، وقبلها سقوط أبيها، الشيخ حسين وأخيها، حميد شهيداً بسيف الإمام أحمد لدورهم في الثورات المتتابعة، وهو مايفسّر العداء المضاعف لبيت الأحمر من قبل أعداء الجمهورية ومن لفّ لفهم، ليس للأخطاء التي وقعوا فيها، وإنما لموقفهم الثابت من الجمهورية والثورة، لأن آخرين وقعوا في نفس الأخطاء وأكثر منها بكثير ويواجهون بالاحترام والتكريم من معسكر خصوم الثورة، قديماً وحديثاً، لموقفهم المتخاذل من الثورة، سواءً كانت ثورة سبتمبر أو 11 فبراير. أخطاء المعسكر الجمهوري كثيرة وهي مسؤولة عن ما آلت إليه الأمور لكن على الناس أن تفرّق بين المواقف الوطنية والانحرافات الفردية، بين مصالح الوطن العليا، والأخطاء الشخصية، بين تصحيح المسار والتفريط بالوطن، بين محاسبة الأشخاص ومعاقبة الشعب، بين أخطاء الأفراد ومنجزات الشعب. فالخلط يهدّد المسيرة الوطنية برمّتها ويجعل الناس تخلط بشكل خطير بين الوطن والأفراد وبين الأخطاء والمنجزات الوطنية. لقد انتصر الثوّار في 7فبراير1968م واستطاعوا أن يفكّوا حصار السبعين ويسقطوا الثورة المضادة التي تجمّعت حول صنعاء لتنتحر ببشاعة. لكن الحقيقة هي إن الثوّار عجزوا عن الحفاظ على نظافة المسار الجمهوري وهذا هو التحدي الذي جاءت ثورة 11فبراير من أجله بآلية الثورة الشعبية المستمرة، والوعي الشعبي الذي يدفع لبناء دولة مدنية وتحقيق أهداف الثورة بحماية شعبية ووعي ثوري مستمر، ومتجدّد..أما فلول الملكية وحلفاؤهم من الحكم الأسري فهم بكل صلفهم وهمجيتهم إنما يجمعون أنفسهم ليكشفوا أنفسهم، ولينتحرو دفعة واحدة. الأيام القادمة ستشهد مزيداً من التصعيد والتفجيرات والتخريب من قبل الثورة المضادة بقيادة السلالية والأسرية بقدر تقدّم مسيرة اليمن الحديث نحو النور..وسيعيد التاريخ نفسه وبصورة أكثر إشراقاً وانتصاراً لمعسكر الشعب والثورة والجمهورية بإذن الله. [email protected]