«إلى الذين صبغوا حياتنا بلون الورد..» تلك الورود المخضّبة باللون الأحمر والتي زيّنت جناين حياتنا في لحظة الانتشاء والفوران الثوري لم يبق من ذكراها سوى الرقم«11» الرقم المتفرد، والتضحية المتفردة. لقد قهرنا ضمائرنا، وتناسينا ورودنا العبقة، وبعناها في سوق السياسة بثمن بخس، وتنكّرنا لدورها العظيم والمعجز، تقاطرت أرواحها من بين جفاء قلوبنا، أشرقت على أمل، ضحت من أجل تحقيقه، فغربت مع أشعة الحرية. يطل ذكراها ليلسع ذواتنا المهترئة المتوارية خلف المصالح والمناصب، تجلد ظهورنا التي أدرناها عن سماع أصوات تساقطت حين سقطت ليبقى الوطن منتصباً. استجاب القدر لأرواحهم، فاختارت الموت طريقاً للحياة، وتركت لنا اختياراتنا لحياة طريقاً للموت. في «11 فبراير» تعالى الصوت الثوري ضد من جعلوا الوطن ملكاً عائلياً، وملكياً وراثياً، غاب التمايز والتوجهات إلا من الهدف الواحد للوطن الواحد والحق الواحد. سار المسار الثوري جارفاً لفقاعات الفساد وبدت أصواتهم تخفت، ومنطقهم يتلعثم، فاختارت لغة الرصاص وسلاح الموت لإخفات الصوت الثوري وإسكاته، وبدوا أقزاماً في تصرفاتهم أمام قامات الثوار، وتمايز الموت عن الحياة، فما بين من ضحوا بأنفسهم لأجل الوطن، وبين من باعوا أنفسهم ضد الوطن، ولم يخرج عن رباعية الثورة أحد «فالصوت الثوري والساحة الواحدة، والهدف السامي، والوطن في طريق الانتصار» سوى من سعى جاهداً لكبح جماح الثورة بكل الوسائل المتاحة المباشرة وغير المباشرة. لم تكتمل الثورة، فتقمص الثورة المضادة لثورة «11 فبراير» حرف مسارها وتسيد المشهد السياسي من لم يكن العنصر الفعال في تفعيل الثورة وحركتها. ومن وقف ضد الثورة الشبابية ليس أسوأ ممن تلبّس بالثورة. العوائق كبيرة، والخطوات نحو استعادة الحقوق وعلى ما قامت به الثورة الشبابية في 11 فبراير من تحقيق الأهداف كخطوة سلحفاة في رحلتها الطويلة والشاقة ذات الأمد البعيد « الحوادث كبيرة والرجال صغار...». يُحسب للآخر المضاد ذكاؤه السياسي «برؤية العقلية المحتلة» على مقدرات الوطن ونتاجه الطبيعي والبشري، فوظف تلك الرؤية على عدة خطوط وأطراف، استطاع بها صوملة الوطن من بوابة أكثر اتساعاً وأكثر ألماً، ثم الإفراط في الوطن بشظايا الكره والحقد والانتقام والانقسام، وتلاقي الفرقاء للمروق كسهام واحدة من رمية البناء باتجاه الانشقاق للصف الوطني، والهستيريا المجنونة المسعورة نحو التصدّع. ذكرى «11 فبراير» تأتي في غياب الوهج الثوري في حين نقطة الاشتعال والانطلاق، فالتضحيات كبيرة والنتائج المأمولة ليست بحجم قيام أهداف الثورة. الورود التي غادرت ربيعنا مرّ الربيع عابراً ولم يلق تحاياه لم يكن ربيعنا المأمول الورد غادر حدائق قلوبنا والضوء خافت