القلق والترقُّب والخوف من المجهول أصبح هو المشهد السائد في عموم مناطق اليمن؛ خاصة في ظل التدهور الخطير للحالة الأمنية والاختلالات المتفاقمة التي جعلت المواطنين يعيشون في حالة ذهول، متساءلين عن الحكمة من وراء الموقف السلبي للحكومة تجاه ما يجري، خاصة أن مسلسل الاغتيالات مستمر، فلا يمر يوم دون أن يسقط شهيد أو أكثر ويُجرح عدد آخر من المدنيين ورجال الجيش والأمن على حد سواء، بالإضافة إلى تصاعد أعمال العنف والتفجيرات المفخّخة التي تشهدها العاصمة صنعاء وعدد من المُدن في ظل الفوضى العارمة التي تعصف بالبلاد، ومخاطر الحروب والصراعات المذهبية والقبلية التي وصلت إلى مشارف العاصمة صنعاء وأضحت تشكّل خطراً داهماً على اليمن، بينما الحكومة لم تتخذ أي موقف صارم ضد أطراف القتال، باعتبارهم من مقلقي الأمن والاستقرار، وتكتفي بإرسال لجان الوساطة فقط. إن اللحظة الراهنة تفرض على القوى السياسية والمجتمعية أن تتحمّل مسؤولياتها وتتعاون مع الدولة لإنقاذ اليمن من الانهيار، من خلال تسريع الخُطى لتحديد الأولويات في عملية تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وصولاً إلى قيام الدولة المدنية الحديثة التي يتطلّع إليها الجميع، كما أن المسؤولية الوطنية تفرض أن تستشعر القوى السياسية والحزبية المخاطر المحدقة باليمن، وأن يتجرّد الجميع من الرؤى الضيقة التي لا تتجاوز حدود المصلحة الذاتية والشخصية، والبحث عن مكاسب سياسية نفعية ومحدودة الأفق لأحزاب تبحث قياداتها قبل قواعدها - المغلوبة على أمرها - عن منافع ومكاسب سياسية رخيصة لا تتفق مع المصالح العليا لأبناء الشعب الذين تكمن مصلحتهم الحقيقية في إنقاذ الوطن، والوصول به إلى بر الأمان في ضوء رؤية وطنية واضحة تشارك فيها كل القوى الحيّة في المجتمع - حزبية وغير حزبية - وتجنيب اليمن مخاطر التمزُّق والتجزئة، وعدم السماح بانهيار الدولة وتفكك المجتمع، وتركيز الجهود للارتقاء بالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وكل ما من شأنه أن يدفع به خطوات متقدّمة نحو ترسيخ الاستقرار والأمن والأمان. لقد مثّل نجاح مؤتمر الحوار الوطني فرصة ذهبية أمام الدولة لن تتكرّر؛ عليها أن تستثمرها لتعزيز تواجدها الفاعل في كل الأرض اليمنية، والتعامل بحزم مع كافة مظاهر الفوضى والفساد والتخريب، والضرب بيد من حديد كل من يحاول إقلاق الأمن، والتصدّي لمن يعملون لإضعاف دور الدولة وعرقلة جهودها في تطبيق الأنظمة والقوانين، لكي يلمس الشعب أن هناك إرادة سياسية قوية لإدارة شؤون البلاد بكفاءة عالية بعيداً عن المواقف السلبية والتضليل وتزييف وعي المواطنين وإطلاق الشعارات والوعود التي لم يلمس الشعب شيئاً منها تحقّق. لقد سئم الناس استمرار الحكومة في الحديث عن إنجازات ونجاحات لا وجود لها في الواقع، فهم يريدون أن تتحوّل الوعود إلى حقائق، وأن تكون الحكومة عوناً للقيادة السياسية في توفير الأجواء المناسبة ليعيش المواطنون في أمن وأمان واطمئنان في ظل حياة كريمة تتوافر فيها الفرص للجميع في العيش الكريم والحرية والعدالة والمساواة، ويجد فيها الشباب العاطل عن العمل الفرصة للإسهام في بناء الوطن بما يجنّبهم مذلّة الاستجداء والتسوّل والانزلاق نحو مسارات شيطانية مليئة بالغواية والتطرُّف والغلو واللجوء إلى ممارسة العنف والانجرار وراء القوى الظلامية المتشبّعة بنزعات الانتقام والقتل وسفك دماء الأبرياء. وفي اعتقادي الشخصي أن الحكومة متى ما أرادت أن تُحقّق للوطن الأمن والأمان، وتحفظ لليمنيين أرواحهم ودماءهم وكرامتهم وحقوقهم، وتطبّق النظام والقانون على الجميع، فإنها بذلك تضع اللبنات الأساسية لقيام الدولة المدنية الحديثة المنشودة.