«1» كثيراً ما كتبت عن ثورة 11 فبراير التي شرّفتني الأيام أن أكون أحد رواد شعلتها، وأجدني في كل مرةٍ ملزماً بقول الحقيقة التي أعتقد صوابها، فما أكتبه هو ما سألقاه شاهداً ناطقاً عند الله، ثم إنه توثيق للتاريخ، والتاريخ لا يغفر زلات الناس أو ادعاءاتهم. الشعب يقود الأحزاب كانت ثورة 11فبراير 2011م في بداياتها الأولى حقيقة شعبية عارمة، أجبرت المجتمع الدولي على تغيير موقفه من نظام صالح، وهي ثورة ضد منظومتي السياسة والفساد، فالسياسة المتخاذلة والهشّة قادها نظام صالح ومعه جميع الأحزاب السياسة في مجتمع ثلثاه يعاني الأميّة، مجتمع قطيعي يمشي مع هذا الركب ويصفّق لمن يليه ويمتدح من يطيح به ويلوم من يجهل ويعوّل على من لا يعرف. ذلك أن المجتمعات الحيّة تفرز نُخباً سياسية قادرة على الإدارة والتغيير، والمعارضة القوية الواعية تفرض صحوتها وكينونتها على النظام الحاكم، وفي اليمن كانت “الرخاوة” هي المهيمن على المشهد السياسي برمته، وتمدّدت تلك “الرخاوة” كبقعة زيت حتى تسربت إلى قاعات مؤتمر الحوار الوطني، وبدا أن النُخب السياسية المتحاورة أكثر حرصاً على مصالحها، وأقل إدراكاً لخطورة المرحلة، لذا كانت تختلف حول أصغر الأشياء؛ ليظهر المبعوث الأممي جمال بن عمر بصفته الرجل “كلي القدرة” ويفكّك نقاط الاختلاف، ويقترح حلولاً؛ وتمضي. أما “الفساد” فقد كان المنظومة الأخرى التي ثار عليها الشعب، ونظام صالح من قاد وزرها، ولطّخ الجميع بالمال العام، ومن المحال أن نجد في النُخبة السياسية اليمنية من رفض هبات ولي النعم..!!. وكانت للراحل فيصل بن شملان رؤى عميقة أثناء خوضه الانتخابات الرئاسية 2006م باسم أحزاب اللقاء المشترك “المعارضة” قال حينها: “يوماً ما الشعب سيسبق الأحزاب إلى التغيير” قال ذلك لأنه شخصية مستقلّة ينظر إلى الأحزاب من خارجها دون ثقالات سياسية تكبح أفكاره التحرُّرية، وقد صدقت نظرته، ففي الليلة التي سقط فيها عرش مبارك مصر؛ نزل الشعب اليمني يقوده الشباب إلى ساحات وميادين التغيير، وظلّت المعارضة تنتظر بصيص أمل في استجابة صالح لمطالبها، مكثفة الحوارات واللقاءات معه ومع قادة حزبه لأسبوعين؛ لتخرج بقناعة أن صالح كعادته يراوغ ويُمعن، وفي أحسن الأحوال يأخذ باليسرى نصف ما يعطيه باليمني. الإصلاح يقلب المعادلة كان صالح مقتنعاً أن احتجاجات الشباب ليست أكثر من تقليد آني لما حدث بتونس ومصر، في الوقت ذاته يدرك جيداً ثقل الإخوان المسلمين “الإصلاح” فهم القوة المهيمنة على الشارع اليمني، ونزولهم سيقلب موازين المعادلة، وكان محقاً، فقد رمى “الإصلاح” بكامل ثقله في ساحات التغيير، وحشد إمكانياته البشرية والمالية وعلاقاته الاجتماعية وماكينته الإعلامية وحرّك القبائل وأقنع الضباط وزرع المخبرين في كامل مفاصل النظام، حتى إن بعض المعلومات عن التحرُّكات المضادة كانت تصله أثناء تخطيطها وقبل تنفيذها وقدّم نموذجاً مبهراً في السيطرة على الساحات، وتولّى شبابه مسؤولية اللجان المختلفة. وهنا كانت فرصة صالح في قيادة الثورة المضادة، وبدأ مخبروه بالحديث عن سيطرة “الإصلاح” على اللجان وإقصاء الشركاء، وشكّل برامج مختلفة للقاء سفراء الدول الكبرى، حتى إن بعضاً من المحسوبين على التيارين الليبرالي والحوثي حاولوا في أوج الثورة إقناع السفير الأمريكي بتغيير موقف بلاده باعتبارها ثورة إسلاميين. والحقيقة التي يجب أن تُقال الآن هي أن “الإصلاح” مثّل العمود الفقري للثورة ودوره في حماية الساحات لم يكن بالهيّن؛ إذ تعرّضت لاختراقات أمنية وأخلاقية لم تخطر ببال، وتصدّى لها شباب الإصلاح، وظلّت الساحات مصانة قوية ثابتة طيلة العام 2011م، ولولا حزب منظم بحجم “الإصلاح” لكانت الساحة مرتعاً لبيادات المُخبرين والحرس الخاص. والحقيقة الأخرى: هي أنني كنت شاهد عيان على شباب بعمر الورد خاصة من الخريجين والطلاب في كليتي الطب والهندسة، واضح من ملابسهم العصرية الضيّقة ومن قصّات شعرهم ومن ملابس الفتيات وأظافرهن، أنهم ليسوا من المنتمين إلى “الإصلاح” يعملون في ساحة التغيير بصنعاء في الخدمات المختلفة، وفي المستشفى الميداني بإخلاص وهمّة لم أرَ مثلها، بل إن بعض الفتيات كنّ يعملنّ على مدار الساعة، ولفتني أيضاً أنه ليس بين هؤلاء الشباب من يتولون الجوانب الإدارية والإشرافية، ويوجّهون الأوامر ويستلمون الدعم، فقد اقتصرت تلك المهمات على شباب “الإصلاح”..!!. [email protected]