في مجتمعنا وأمتنا وواقعنا اليوم نلمس ونشاهد الكثير من الحالات والمظاهر التي تدل على أننا أصبحنا في زمان احترتُ في إيجاد إسم مناسب لوصفه أو عنوان يكافئه. حتى عثرت على حديث نبوي شريف عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول فيه رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم «تأتي على الناس سنوات خادعات يؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين.. ويصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق.. ويسود فيها الرويبضة.. قالوا وما الرويبضة يا رسول الله.. قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة!!» صدقت يا رسول الله. فنحن الآن في هذه السنوات الخادعات وفي زمن الرويبضات الذين يتصدرون المشهد في العديد من أجهزة ومؤسسات الدولة والمجتمع. فهناك رويبضات تسلطوا على رقاب الناس ومعيشتهم كحكام أو مسؤولين في العديد من المؤسسات, يعيثون في الأرض فساداً ويتحكمون وينطقون في أمر العامة, أسند الأمر إليهم لاعتبارات خاصة (حزبية أو سياسية أو مناطقية أو شللية أو شخصية), وليس لاعتبارات قانونية أو علمية تستند إلى التخصص والجدارة والكفاءة والخبرة في العمل.., وهو ما يعني أننا اصبحنا علامة من علامات الساعة الصغرى وهى ضياع الأمانة بإسناد الأمر إلى غير أهله مصداقاً لحديث رسولنا الكريم أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة). قال: كيف إضاعتها؟ يا رسول الله، قال: (إذا أسندَ الأمرُ إلى غيِر أهله فانتظر الساعة) رواه البخاري. ولذلك لا نستغرب اليوم على سبيل المثال أن نجد في جامعاتنا الفتية والعتيدة الأستاذ الدكتور (البروفيسور) في تخصص معين, يقبع في داره ويتم تجاهله أو استبعاده وعدم استشارته والاستفادة من خبرته في أعمال ومهام وفعاليات في عمق تخصصه, ويتم إشراك وتعيين واستشارة شخصيات غير متخصصة ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بما يوكل إليها من مهام ومسؤوليات. وهناك رويبضات تسلطوا على عقول الناس فتصدروا المشهد في مختلف وسائل الإعلام وخاصة القنوات الفضائية والصحف البارزة, ومختلف المنابر والفعاليات الثقافية, ليتحدثوا في أمر العامة وفقاً لما يمليه عليهم أسيادهم وأولياء أمورهم الممولون لهم, وليس ما تمليه عليهم ضمائرهم ومصلحة مجتمعهم وأمتهم, فمنهم رويبضات مهمتهم الأساسية تلميع شخصيات وأنظمة معينة فقدت بريقها في المجتمع وعاثت في الأرض فساداً وأهلكت الحرث والنسل، ومنهم رويبضات مهمتهم الأساسية الترويج لأفكار ومعتقدات وسلوكيات غريبة وخبيثة ودخيلة على مجتمعنا وبعيدة عن قيمنا وأصول عقيدتنا وتراثنا الحضاري. ومن القواسم المشتركة بين معظم هؤلاء الرويبضات انهم إما أن يكونوا غير متخصصين في المجالات والمواضيع التي يتحدثون إلى العامة عنها, ويفتقدون إلى الكثير من القيم والأخلاقيات الأساسية المتعلقة بالانتماء والهوية الدينية والثقافية والوطنية, وبالتالي يسهل على كل من يتربص شراً بالمجتمع والوطن والأمة, شراء ضمائرهم وتوجيهها حسب ما يريد, أوقد يكونون من الشخصيات غير المتعلمة جيداً أو نصف متعلمة ولا علاقة لها علماً أو خبرة بما يوكل إليها، وما تستشار فيه أو ما تتحدث للعامة عنه. وصدق رسولنا الكريم عليه الصلات والتسليم بقوله «إن من أشراط الساعة أن يُلتمَس العلم عند الأصاغر». وقيل قديماً: إنما يُفسد الدنيا ثلاثة أنصاف: نصف فقيه، ونصف طبيب، ونصف نحوي. فنصف الفقيه يفسد الدين، ونصف الطبيب يفسد الأبدان، ونصف النحوي يفسد اللسان، وقيل: «لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، وعن علمائهم وأمنائهم، فإذا أخذوه من أصاغرهم وأشرارهم هلكوا» صدقت يا رسول الله. وختاماً أقول: إن بلادنا ومجتمعنا وأمتنا لن يصلح شأنها ويستقيم أمرها ويتحسن وضعها وتستعيد مكانتها ويتحقق أمنها وتقدمها واستقرارها طالما ضاعت فيها أمانة المسؤولية, ووسدت الأمور والمسؤوليات فيها لغير أهلها, وتصدر المشهد في مختلف أجهزتها ومؤسساتها (رويبضات) يتحكمون في رقاب وأقوات وعقول أبنائها, ويقودونها إلى دائرة التخلف والانحدار في مختلف المجالات. وما على كل متخصص وخبير ومخلص لوطنه وأمته لم يجد فرصته لخدمة مجتمعه ووطنه وأمته في زمن الرويبضات إلا أن يصبر وينتظر أمر الله أو الساعة التي برزت لنا اليوم الكثير من أشراطها الصغرى, وحسبنا الله ونعم الوكيل. * أستاذ التسويق المشارك - جامعة تعز.