حين أوصاني الأستاذ العزيز الناقد /علوان الجيلاني قبل ثلاثة أيام بالكتابة مجدداً عن أوجاع الموسيقار الكبير / ناجي القدسي .. لم يكن يدرك أنّ تهرّبي من الكتابة ناتج عن أوجاع سابقة أكدت لي أنّ كل من نكتب عنهم يمنحونا موتهم في الأيام التالية قال لي الأستاذ علوان .. إكتب وإلّا ستندم حين يموت الموسيقار ناجي .. ومات ناجي ليلة الجمعة قبل البارحة كأنه الضوء الخاطف لأرواحنا وهواجسنا العليلة . لا أدري ما أقول .. قبل أيام عانقتُ الموسيقار المُدهش بميدان التحرير بصنعاء كأنه الحياة .. واليوم أسألُني .. ما هو الموت ؟ ما الذي تفعله فينا الخطوب حين تجلدنا بأعصابها الباردة .. لننزف أملنا الأخير .. ونمضي ببلادة وحيرة لا تنتهي . أيها الموت البائس .. أتدري من خطفت من بين أشجار آمالنا ؟ ومن نزعت صبابته عن قلوبنا ؟ ومن محوت برحيله إيماننا الشفيف بالعصافير والأنهار والتلذذ بآهات السماء ونورانيتها الخالدة ..! رحل موسيقار الأرواح عليلاً كما كان يخفي ندوب دروبه ويبتسم .. ورحل مكتظّا بالكثير من المواعيد الرديئة ببيتٍ يلوذ به دون جدوى .. وبتوثيقٍ لإبداعه وفنّه دون تحقيق شيء .. وبآلامٍ يخفيها بينه وبين خالقه يعلمها بعض عباده لكنها أبلغ من أيّ حديثٍ وأقوى من كل الأعذار البشريّة الموحشة .وحدك يا الله ثم بعض خلقك يدركون جيداً سرّ علاقة الراحل العملاق بك .. فاعطه ما سأل .. وأسكنه فردوسك الأعلى .. وتغشّاه بسحائب رحمتكَ وامنحه “ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر” .