طال إضراب القضاة، وكثرت معه المعاناة والمخاطر التي تهدّد المواطنين ومصالحهم جرّاء هذا الإضراب الطويل، أصبح القضاة هنا جُناة على الكثيرين من المواطنين الذين علقت قضاياهم؛ وبعضها تخسر باليوم والدقيقة، والبعض الآخر لها مضاعفات ربما يؤدّي عدم حسمها وعرضها على القضاء إلى إجبار الناس على وسائل أخرى غير قانونية، وربما تفاقمت الخلافات وحاول البعض أن يأخذ حقّه بيده أو ما شابه من التداعيات التي يُحدثها غياب القضاء وصد أبوابه أمام الناس. القضاة آخر من يفكّرون في الإضراب،لأن واجبهم ومسؤولياتهم تقتضي ذلك، وإذا كان ولابد فلا مانع أن يكون إضراباً خاطفاً أو قصيراً للفت نظر السلطة التشريعية والتنفيذية، إضراباً خاطفاً يحفظ هيبة القضاء وسلطانه، فهو أقوى سلطة في البلاد. نتفهّم إضراب القضاة عند اختطاف القاضي في محكمة حجّة من قبل طابور الفوضى والبلطجة؛ لكن بعد عودة القاضي يجب أن يُفك الإضراب فوراً؛ ولا مبرّر لاستمرار الإضراب تحت مبرّر تحريك قضية القبض على من قاموا بالاختطاف سوى اتخاذه ذريعة للاعتداء على حق المواطنين والتفريط بحقوقهم. يستطيع القضاة تحريك القضية عن طريق النائب العام وأجهزة القضاء كلها؛ بل تشكيل لجنة متابعة للقضية، وستكون المتابعة أكثر أثراً, عليهم أن يتّحدوا لتطبيق القانون كقضاة يهمهم تحقيق العدالة وليس الانتقام لأنفسهم، ولا ينسوا أن عليهم أن يقوموا وبنفس الحماس نفسه لإنصاف المظلومين الذين يقفون أمامهم لأشهر وسنوات. وبعضهم يظلمون «عيني عينك» عن طريق وسائل تعرفونها جميعاً، وأحياناً عن طريق الجهل بالقضية، فكثير من القضايا يتم الظلم فيها، ليس لأن القاضي متعصب أومتحيز؛ ولكن لأنه لم يستوعب القضية بسبب عدم الاطلاع الكافي و«الكلفتة» بالقراءة السريعة وعدم الاهتمام بحقيقة القضايا والتفاصيل؛ وأحياناً عدم الكفاءة، فيبدو الحكم بعيداً عن الأدلّة والقرائن ومجحفاً..!!. أعتقد أن الظلم الذي يشعر به القضاة أمام الاعتداء عليهم، يجب أن يكون حافزاً لهم ليتذكّروا واجبهم في استيفاء العدالة وتقصيراتهم وهي كثيرة. الآن مازال الإضراب مستمراً دون مبرّر، على السادة القضاة أن ينهوا إضرابهم ويتابعوا القضية؛ فهم أصحاب الأمر والنهي؛ وعندما تقف جهة تنفيذية ضد أوامر القضاء فلا مانع أن يتخذوا قرارات صارمة بحق هذه الجهات بغض النظر عن التنفيذ؛ لأن أحكام القضاء مهما كان سيحرج كل المخالفين، كما أنهم يستطيعون العودة إلى الإضراب في أضيق الأمور والمهم ألا يستمروا في الإضراب كطريق للعاجزين. الإضراب وسيلة المواطنين والهيئات الشعبية التي لا أمر لها ولا حق في السلطة، وليست وسيلة الحكومة والسلطات؛ هذا يؤثّر على حق المواطن والحالة العامة للاستقرار الوطني الذي يحتاج إلى مساعدة الجميع في تقويته وتأمينه وفي المقدمة السلطات الحاكمة والمقصّرة، يضبطها القضاء الذي عليه أن يتماسك ويدرك مهمته ولا ينسى أنه السلطة الأهم وكل ما يجري له دور فيه بسبب التقصير أو المجاملة وعدم الحياد أو ما شابه. وفي كل الحالات عليه ألا ينسى أنه قضاء يجب عليه أن يكون محايداً، ولا يظهر كخصم لأحد حتى يتسنّى له تحقيق العدالة عن طريق الرفع بمستوى القضاء والقاضي إلى درجة تمثيل العدالة كما هي وكما ينبغي لصورتها النقيّة. [email protected]