تمر العدالة بمأزق كبير هذه الايام وسط عجز الحكومة اليمنية الواضح عن حماية القضاة ومقار العدالة من هجمات المتنفذين الذين يرغبون في فرض رؤيتهم بعيدا عن القانون ..وهو ما ادى بالقضاة الى تنفيذ اضراب شامل اثر على الحياة اليومية للمواطن وادى الى زيادة مشكلات الوطن ... من اﻻهمية بمكان ان يدرك اﻻخوة القضاة اهمية تفاعل نقابة المحامين مع قضاياهم ..ويدرك في المقابل الزملاء المحامين ان وجود قضاء قوي ومستقل شرط لوجود عدالة يبحث عنها الجميع في هذا الوطن وفي المقدمة المحامون ...نحن نتحدث عن طرفين يمثلون العدالة وﻻ يمكن ﻻحدهما ان يستغني عن اﻻخر.. لست مع ان يعمل كل طرف وكأنه منعزل عن اﻻخر في جزيرة واق الواق. ياسادة يجب ان نعترف ان القضاء اﻻن يمر بمرحلة لسيت بالجيدة بل ويمر بمرحلة ضعف غير مسبوقة ولا شك ان مهنة المحاماة تكون قوية او ضعيفة تبعا لذلك وهي حقيقة لا اعتقد ان احدا يمكن ان يقامر بغيرها ...اخشى ما اخشاه ان يسعى طرف ثالث من مصلحته اضعاف القانون والعدالة ليفت عضد القضاة والمحامين وجعلهم انداد لبعضهما البعض بدلا من ان يكونا في صف واحد وبالتالي يصل الى تحقيق مراده ليفعل ما يريد ولن يجد في طريقه من يطالبه بالانصياع للعدالة ...والشواهد حاضرة بقوة هذه الايام . يجب ان نتعاون جميعا لمحاولة تجنيب نادي قضاة اليمن ونقابة المحامين اليمنين المواجهة مرة اخرى ... لانزال نتذكر المواجهات السابقة ابان خروج فريق بناء الدولة بمؤتمر الحوار بمقراراته المتعلقة بالسلطة القضائية والتي قرر فيها ان يتشكل مجلس القضاء من 70 % من القضاة تتنخبهم الجمعية العمومية و15 % من المحامين ينتخبون عن طريق نقابة المحامين 15 % من اساتذة القانون في كليات الشريعة والقانون والحقوق . وهو ذات الامر في تشكيل المحكمة الدستورية ....وما ولد ذلك من ردات فعل لدى القضاة وناديهم الذي كان جديدا على المشهد حينها وواجه تلك المقرارات بمؤتمرات صحفية وندوات وغيرها وادى الى استخدام الاضراب كوسيلة للضغط على مؤتمر الحوار للتراجع عن ذلك الامر . ويبدو لي ان الخطاب المتشنج لبعض الاخوة القضاة اضافة الى الاضراب هو من ادخل نقابة المحامين على الخط والتي بدورها اقامت العديد من الانشطة ردا على ذلك وكان خطابها ايضا متشنجا لانها اعتبرت ان بعضا من الاجراءات للنادي كانت موجهة للمحامين والامر تطور الى اجراء بعض المناظرات التلفزيونية وكذا بمظاهرات ومظاهرات مضادة امام مؤتمر الحوار وكذا اجراء العديد من اللقاءات بعدة اطراف بهذا الشأن وصلت الامور الى حد القطيعة ...واستخدم الاطراف مقولات ضد بعضهما ما كان ينبغي ان تصدر عنهم .. اعتقد ان هذا الامر سببه عدم بحث الطرفين عن سبل ملائمة للتفاهم وحل الاشكاليات التي تظهر بينهم عن طريق الحوار وجعل الاصوات المعتدلة هي التي تكون في المقدمة ..بدلا من طغيان الصوت المتشدد من هذا الطرف او ذاك تحت مبرر الحفاظ على مصلحة القضاء او المحاماة وهو ما قد يخفي اسبابا اخرى لهؤلاء من بينها الرغبة في الزعامة او الاستعداد للانتخابات بتلك الاساليب التي قد تضر اكثر مما تنفع وهو ما يجب الانتباه له. المتابع للمشهد يجد ان الاختلافات واردة بين الطرفين بحكم علاقتها الدائمة في الميدان فلا يمكن للمحامي العمل بمعزل عن القاضي وهو ذات الامر الذي ينطبق تماما على القاضي ..هناك عدة محاولات جرت من الطرفين لتنسيقِ المواقف وعلى رأسها التقاء مجلس القضاء الاعلى مع نقابة المحامين وتشكيل لجنة تواصل بينها لمحاولة حل الاشكاليات بالطرق الودية وتجنب خروجها للإعلام ..وفعلا جرى حل العديد منها بهذه الطريقة قبل ان تتطور الامور بين النقابة والنادي على النحو سالف الذكر .. نعرف ان كثير من المشاكل بحكم الحساسيات بين الطرفين توجد وعلى نطاق واسع في عدة دول منها مصر وتونس واليمن ...لكن في المقابل هناك صورة اخرى لوجود تنسيق مشترك بين القضاة والمحامين كما في امريكا التي يكون فيها كل قاض مسجل في نقابة المحامين باعتبار ان المحاماة في الغالب الاعم شرط لتولي القضاء ..كما ان العلاقة الجيدة بين الطرفين هي التي اسهمت بشكل مباشر في اشتراكهما باعادة رئيس المحكمة العليا الباكستانية الى رأس القضاء رغم انف برفيز مشرف رئيس باكستان حينها الذي سبق وان عزله ..والذي وجهت له اخيرا عدة تهم على رأسها اهانة القضاء. من هنا يجب ان نعلم ان وجود علاقة بين القضاء والمحاماة مفيد للعدالة وللوطن حتى في الجوانب السياسية والاقتصادية لان ذلك معناه ان الطرفين بدلا من ان يوجها جهودهما تجاه بعضهما البعض فيمكن ان يتعاوانا من اجل ارساء مبادئ القانون واستقلال القضاء ..وبالتالي اعادة القانون لمنصة الحكم وصدارة المشهد بدلا من صوت الرصاص ورؤس الاثوار هذه الايام بدأت تلوح في الافق امارات ازمة جديدة بسبب لجوء نادي القضاء لوسيلة الاضراب مرة اخرى على خلفية مطالب حقة لاينكرها المحامون وعلى رأسها ايقاف الاعتداء على القضاة والمحاكم وتوفير الحماية لهم ليقوموا بواجبهم ...لكن المحامون يرون ان اللجوء لوسيلة الاضراب مباشرة فيه تسرع واضرار بالعدالة. والحقيقة ان كلا وجهتي النظر فيها جانب من الصواب فالقضاة لم يلجئو للاضراب الا بعد ان بحت اصواتهم بالمطالبة بتوفير الحماية للمحاكم والقضاة كونهم تعرضوا الى 38 اعتداء بين اختطاف لقضاة واقتحام للمحاكم واطلاق نار حسب احصائية النادي ..الخ وكان اخطرها على الاطلاق دخول مسلحين الى محكمة استئناف حجة واطلاقهم للنار واختطاف القاضي السروري منها دون ان تحرك الحماية الامنية او السلطات المحلية هناك أي ساكن وظل مختطفا عشرة ايام كاملة .. فهم يرون بالتالي انه ان كان يمنع على القاضي ان يحكم وهو جائع او غضبان فمن باب اولى الا يحكم وهو خائف اضافة الى قول البعض ان بقائهم في هذه الحالة يعني الحكم للاقوى . في حين يرى المحامون ان العدالة لاتضرب بحال من الاحوال حتى من الناحية الشرعية واوردو لذلك عدة نصوص شرعية وقانونية لا مجال لذكرها هنا كما يرون ان هذا الاضراب في الاساس يساهم في تأكيد عدم وجود الدولة كونه لم يعد هناك أي وجود حقيقي على الارض لمؤسسات الدولة فمجلس النواب لا شرعية له ولا عمل له الان بعد ان امتد لعشرة اعوام كاطول برلمان في العالم والسلطة التنفيذية في علم الله ولم يتبقى الا السلطة القضائية فرغم كل الملاحظات عليها الا انها كانت موجودة على الارض واضراب القضاة يعني اسقاط للدولة بسلطاتها الثلاث ...كما ان هذا الاضراب سيساهم بشكل مباشر في انتشار الجريمة اكثر لان كل طرف سيلجاء لاخذ حقه بيده . وتلك كارثة كبرى سينهار معه المجتمع ..الخ ومع كل ذلك فان مبادرة طيبة حدثت اخيرا من نقابة المحامين عندما توجهت للقاء النادي لنقاش هذه المشاكل ومحاولة الوصول لحلول مرضية للجميع .. وكاد يحدث اختراق ما خاصة وقد اكدت النقابة انها تقف مع القضاة في كل الاعتداءات التي حصلت وتحصل عليهم وان من مصلحة المجتمع ومصلحتها وجود.قضاء قوي ومستقل ..وهو ما اوجد الرضى لدى قيادة نادي القضاة الذي رأى ان تلك مبادرة جيدة . لكن نقطة الاضراب هي التي لم يصلا الى راي موحد فيها ..وهو ما عقد الاوضاع ثانية ...وهو امر يوجب ان يحصل معه لقاءات اخرى للتنسيق بهذا الشأن ... لا بديل عن محاولة رأب الصدع . واحذر جميع القضاة والمحامين بأن بداية نزول بيان من هذا الطرف ويقابله الطرف اﻻخر بردة فعل غير محسوبة قد يوسع الهوة بين الطرفين ...ينبغي على اﻻخوة القضاة تدارس اﻻجراءات التي يرونها مناسبة في الرد على اﻻعتداءات دون معقب لكن من المهم ان يقوموا بتقييم مقرراتهم وبالذات المتعلقة بالاضراب مع تفهم ردة فعل المواطنين والمحامين والذين يجب عليهم – أي المحامين - في المقابل ادراك خطورة المرحلة وحجم الكارثة غير المسبوقة التي حلت بالوطن وبالمواطن جراء منهجية الهجمات على العدالة . وﻻ ينبغي التساهل مع خروج المشكلة بين الطرفين الى العلن ...ﻻنها بهذه الطريقة لن تعود الى طاولة حوار الطرفين اﻻ بعد اضعاف العدالة وتباعد النفوس ...اخشى ان مر هذا اﻻسبوع دون تقريب وجهات النظر ان يكون ما بعده هو اﻻصعب. والله من وراء القصد.