في معظم إن لم يكن مجمل دول العالم يجد المريض الزائر لأي مشفى سواء أكان عاماً أم خاصاً أنه أمام بحث أو باحثين لحالته المرضية من كل النواحي؛ فإذا ما كان مصاباً بأي نوع من أنواع المرض تُجرى عليه بحوث حول جوانب صحية ليندرج البحث ليشمل معلومات عن الدائرة المحيطة به بدءاً من الأسرة وحتى الدائرة الأوسع فالأوسع حتى تصل إلى الحصول على معلومات عن واقع وحياة مجتمعه وما هي أبرز وأفتك الأمراض شيوعاً، ولتأكيد هذا الطرح فقد حدث أن أصبت قبل ما يزيد عن 30 عاماً بانزلاق في العمود الفقري وتردّدت على مستشفيات عديدة في اليمن والهند ومصر والأردن ثم السعودية التي توفقت حينها بتوجيه من المرحوم الأمير سلطان بن عبدالعزيز بالعلاج بمستشفى الرياض العسكري؛ وفي ذلك المستشفى تنقّلت في الكشف الطبي من أشعة وفحوصات مخبرية ودراسات بحثية لدى أكثر من طبيب إلى أن استقر الحال في تحديد جلسات الطب الطبيعي؛ وبمعنى أوضح أن المريض لابد له من تشخيص لأسباب ومسببات مرضية، ولا يجوز تحديد أي وصفة علاجية إلا بعد استكمال كافة الفحوصات والأبحاث المفروضة لتحديد الوضع الصحي للمريض، كما أن احترام أصحاب الصيدليات والأجزخانات ومخازن بيع الأدوية للوصفة الطبية أو رشدة الطبيب من الضرورات لاحترام المهنة؛ إذ لا يمكن أن تحصل على أي نوع من أنواع العلاجات إلا بوصفة طبية. هذا في بلدان الدنيا ولدى جيراننا، أما عندنا فلا حول ولا قوة إلا بالله، إن أتيت إلى مستشفى عام فلا تجد أحياناً من يسألك حتى عن خلفيات مرضك؛ إلا أنك تجد الطبيب الذي يستكثر أحياناً الابتسامة التي هي جزء من أساسيات علاج المريض، وفي مستشفياتنا تجد من يحوّلها إلى محطة للترويج لاستجلاب المرضى إلى عيادته، وفي مستشفياتنا نفتقر إلى الوعي الطبي وحتى الصحي؛ فلا تجد من يهتم بحالة المريض ودراسة أسبابها ومسبباتها، كما أنها تفتقد ليد الطبيب الحانية ولاهتماماته البحثية التي تمثل أساس التعامل فيما بين الطبيب والمريض في كل بلدان الدنيا، هذا ما يتعلّق بتعاطي من يُوصفون «الأطباء». أما المستلزمات الأخرى إذا كان المريض مصاباً بجروح فلا تجد أدنى المستلزمات الصحية بدءاً بالشرنقة أو الشاش. أو غيره.. فتجد الطبيب يمدّك بوصفة لهذه المستلزمات الصحية وغيرها لتشتريها من الصيدلية، ناهيك عن التعاطي والتعامل أخلاقياً من قبل البعض أطباء وممرضين وحتى موظفين فتشعر بالنتيجة أن المشفى أو المستشفى الكبير حجماً والأقل نظافة، الأقل نظاماً وانتظاماً والأكثر انفلاتاً وتسيباً، الأكبر دعماً مالياً إلا أنه الأقل خدمات للناس حتى من أدنى مستوصف في الدنيا، المستشفى الكثير بأطبائه وموظفيه وممرضيه لا يقدّم شيئاً يُذكر، وأن العلاج المجاني الذي أكدت عليه أحد أهداف الثورة لا وجود له؛ الأمر الذي يستوجب إعادة النظر بشكل تام في قانونية هيكلتها واستمرارها في إهدار المال العام دون حتى 10 % من الفائدة المرجوة لوجودها. ذلك ما كان بشأن المشافي العامة الحكومية، أما المشافي الخاصة فإنها تتقاسم التقاعس في البحث في الحالات الصحية للمريض والتي أشرنا إليها في مشافي دول العالم، وإن وجدت بعضها فمن باب الندرة والاجتهاد ولم يطبق كمبدأ عام، وفيما يتعلّق بالتطبيب فبعضها تجد منه أدنى درجة من مستوى العلاج، والبعض الآخر تجده يتعاطى بعقلية التاجر الذي يبحث عن ثراء مع أن المشافي الخاصة لا يرتادها إلا ميسورو الحال ومن فوقهم، أما الفقراء وذوو الحاجة فلا حول لهم ولا قوة إلا بالله؛ فتجدهم لا يفارقون المشافي العامة، داعين الله الشفاء كالغريق الذي يتمسّك بالقشة لهثاً وراء النجاة من الغرق..فمستشفياتنا صارت داءً لا دواءً. إن الوضع الحالي لمستشفياتنا ومراكزنا الصحية تتحمّل قيادة وزارة الصحة وكل من يعنيهم أمر صحة الإنسان في هذا البلد مسؤولية علاجه أولاً، كما إننا ننادي بأهمية أن تتعافى مشافينا الصحية مما آلت إليه، إننا بحاجة إلى وقفة جادة للتشريعات الطبية والصحية وتقييم واقعها إيجاباً وسلباً، والاستفادة من تجارب الأشقاء والأصدقاء. وهنا نتساءل: لماذا لا نكون مثل الآخرين إيجاباً، وتجنبهم أضرار سلبياتنا..؟!. إننا بحاجة جادة لمعرفة أصول مستشفياتنا ومرافقنا الصحية على مستوى الجمهورية وما يُصرف لها من اعتمادات وما يُصرف لكل منتسبيها وما يُنفق على تلك المرافق من اعتمادات ومخصّصات علاج ونظافة وصيانة ووضعها تحت دراسة دقيقة تقييمية، والوصول إلى نتائج تقييم مدى تحقيقها لأهدافها ولو بنسبة 15 % مع ما ينفق وعلى ضوء تلك الدراسات يتم التبصُّر في اتخاذ المعالجات حتى تسمو خدماتنا الصحية والطبية إلى 50 % مما يحصل لدى غيرنا، ونحد من عزوف المرضى القادرين على السفر إلى الخارج عن مستشفياتنا؛ لأنها تفتقر إلى القيم والتنظيم والتشريع السليم.