بالتمعُّن في طبيعة الحرب التي دارت رحاها منذ ثلاثة أسابيع في عمران؛ يمكن الحديث دون مواربة عن ميليشيا تجرّدت من كافة القيم الوطنية وهي تقاتل بالعتاد الحديث والإعلام والبشر «المبولطين» لإحياء مجد مندثر يتنافى في طبيعته مع فكرة الحداثة وقيم الحرية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص. ولا يبدو هذا المجد قابلاً لإعادة إحيائه مجدّداً؛ ما يبدو أن أنصاره يتمتّعون بقابلية غير مفهومة للموت من أجله وفي سبيله وتجريع الآخرين الموت، أيضاً في المقابل تنهال الثناءات تجاه الطرف الآخر الذي يقاتل بغايتين: حماية مصالحه وامتيازاته، ثم تأتي بعدها كحالة لازمة بالضرورة فكرة الذود عن الجمهورية وحماية رمزيتها التاريخية بصنعاء من السقوط في مخالب الوحش القادم من أدغال الزمن الرديء..!!. إن حماية النظام الجمهوري هي الفكرة المركزية التي تُنعش المزاج العام المساند لقيادة الجيش في عمران, وهي التي تغذّي الذهنية الجمعية بثقافة تمجيد الدور المحوري الذي تلعبه قيادة «اللواء 310» في هذا السياق, يعزّز من الأمر تغافل حوثي واضح في جانب تبديد مخاوف الناس من حقيقة مشروع الجماعة؛ ودوافع استراتيجيتها القائمة على الذخيرة والمدفعية في تحقيق هذا المشروع. أنا قلق كمواطن يعتقد أن الجمهورية في خطر حقيقي؛ ولا أرى أن ثمة مبرّراً لتساؤلي الآن: لماذا يقاتل حميد القشيبي؛ من أجل الجمهورية أم من أجل مصنع اسمنت عمران..؟!. بالتسلسل التاريخي يمكن اكتشاف حقيقة كون جماعات العنف المتدثّرة بأمجاد قديمة تحاول خلق المساحة الممكنة للبروز مع كل تحوّل تاريخي تشهده الأوطان؛ إنها عادة متأصّلة في الكينونة الذاتية لهذه الجماعات وفقاً لحركة التاريخ وتحوّلاته, وهي في الغالب تعجز عن خلق مزاج عام مساند لهذه النشأة؛ وكثيراً ما تؤول كمشروع عنف لا كفكرة إلى الاندثار والتلاشي. الحوثية جماعة خارجة من كهوف ما قبل التاريخ تقوم على فكرة الأحقية المسنودة بتأييد إلهي في الحكم؛ وهي تنضوي في إطار تنظيم مسلّح يمارس التوسُّع بالعنف, ويرتكب أعمال قتل على الهوية والمعتقد والرأي والقناعة السياسية..!!. ولم تكن هذه الجماعة بالعودة إلى جذورها التاريخية قد اندثرت تماماً كما توهّم ويتوهّم الجمهوريون؛ بقدر ما كانت تعيد ترتيب ذاتها بما يجعلها في حالة تناغم وإن شكلاني على الأقل مع كينونة الزمن الذي ستظهر من خلاله مرة أخرى, وعبره سترمي بكل ثقلها وستحشد كافة أذرعها وخلاياها للعودة بالوطن إلى قلب التاريخ الذي تمثّل فيه حالة من السيادة والاستئثار والسيطرة المطلقة على القرار. إن الأثر التاريخي للمعركة الدائرة حالياً في عمران هو الذي يصنع من خصوم الحوثي أبطالاً؛ ذلك أن الحوثي وهو يقاتل على الأرض يمثّل حالة تاريخية ارتبطت في الذهنية الجمعية بأجلى صور الاستبداد والتخلُّف والوحشية؛ ومن ثم فإن الاتجاه العام للقناعة الجمعية لا يمكنه إلا أن يتماهى مع خصوم الحوثي, ويتغافل عن كافة الاعتبارات ذات الصلة بماهيّة هؤلاء الخصوم والغاية الجوهرية من معاركهم. [email protected]