نجيد التباكي، هكذا فقط نستطيع أن ندفع عنَّا وطأةَ الإحساس بالذنبِ ونَفر من ملاحقة لعنة الجرم الذي تشاركنا بهِ، حين نكتفي بالرثاء فتأكدوا أننا نتحايل، كان بإمكاننا عمل شيء من أجل جرحى الثورة وهم أحياء، لكننا أدركنا الرثاء، أضعف الإيمان، بعد فوات الأوان..!!. تامر الرداعي؛ جريح الثورة، الشاب الذي ظل كتمثال شُكِّلَ من أصلب معادن الأرض وأصلدها يرقب المارةَ من ساحة التغيير في صنعاء بصمتِ، من على كرسي متحرّكِ، يكتفي بالإشارة ردّاً لمن بادره بإشارة السلام، وينتظر من يمد إليهِ يدهُ ويرد له جميل تضحيته؛ إلا أن الجميعَ اكتفى بنظرةِ الشفقة وتوارى بعد ذلك في غمرةِ انشغالاته، ولم يمدَ أحد إليه يداً، فهل يجوز للعنة أن تدرِكنا..؟! نعم.. لقد شاركنا في تعذيبِ تامر - الأسد الجريح حتى مات، وأي جرمِ أكبر من هذا، ونحن كل يوم نتباهى بالثورةِ بينما أسهمنا في موتِ من قدّموا دماءهم في سبيلها. الشاب تامر الرداعي الذي اختُطِف بشارع تعز أثناء مشاركتهِ في مسيرة الحياة وعدد من شباب المسيرة، واختفى على إثر ذلك قَسراً حتى ظهر عقب ستة أشهر فاقداً النطق ومقعداً وعليه آثار كدماتِ بعضها قديم وبعضها بدت كما لو أنها سُبِبت قبل ساعاتِ من إطلاق سراحه، تامر مات جريحاً على حالتهِ الذي عُثر عليها عقب اختفائه القسري، بل كانت قد تدهورت أكثر. تامر الرداعي ماتَ دون أن يلتفت أحد إليه، مات صامتاً شامخاً دون أن يتلقّى ما كان يحتاجه من علاج، ماتَ ليلحق بقائمةِ جرحى الثورة الذين استشهدوا تحت تأثير جراحهم المفتوحة دون علاج. نستحق اللعنةَ؛ كوننا لم نَقُم بشيء من أجلِ تلافي مضاعفات جروح شباب ثورة التي قدّموها في سبيل فتح سُبلِ جديدةِ أمام هذا الوطن الذي حاصرته جحافل الفساد واللصوص وضاقت عليه دائرة الأمل، وماذا عَمّن وصلوا إلى السلطة بفضل هؤلاء الثوار الباذلين دمائهم، هؤلاء جرحى الثورة من غايتهم الكبرى وطن يتسع لأحلامهم..؟!. لقد تجاهلوا جراحاً لم تندمل مرّوا عليها صوبَ مقاعد الحكومة، كان بإمكان هؤلاء تخصيص نسبةِ من ذلك البذخ الذي صار يميّزهم من أأجل جرحى الثورة، لكنهم تناسوا كل شيء أمام زخمِ المناصب الحكومية. وأما صندوق أسر الشهداء وجرحى الثورة الرسمي، فلم نسمع عن شيء قدّمه بعد أن أُعلن عن إنشائه، بل إن الأخبارَ تُدَّاول عن أن الصندوق يقع تحت سقف المحاصصةِ وحالة التوافق السياسي..!!. ما الذي يمكننا قوله عن المعاناة التي ألمّت بجرحى الثورةِ الذين استشهدوا ولاتزال بِمن تبقّى حيّاً بجراحه منهم مُلِمةَ..؟! تكفيهم مأساة الجراح التي تسبّب بٍها التجاهل الذي عانوه، كانوا يعتقدونَ أن اليمن الجديد الذي قدّموا في سبيله دماءهم سيحتفي بِهم؛ ولكن أمانيهم خابت، وهل ثمةَ أقسى من وطأةِ خيبةِ كهذه على نفوس عَشقت الكرامةَ وناضلت من أجلِها وقدّمت الدماء..؟!. مهما طالت رثاءاتنا فستبقى بلا لون وبلا جدوى، ولن نتمكن من تفادي القبحِ الذي سنبدو عليه أمامَ طابورِ من جرحى الثورة استشهدوا بسبب الإهمال، ولن يُجدي تأنيب الضمير نفعاً، طابورُ أوله الشهيد عبدالإلهِ الحُميدي ولربما لن يكون آخره الشهيد تامر الرداعي. إني أراهم يَهتفونَ هُناك في خلودِهم الأبدي “لا تَبكِنا يا رفيق أمواتاً بعد إذ خذلتنا شبهَ أحياء”. حين ماتَ تامر الرداعي؛ كان على الكرسي المتحرّكِ، ونصف بطانيةِ تغطي ساقيه الجامدتين، بينما قلبهُ كان لايزالُ مفعماً بدفءِ الابتسامة المرسومة على وجهه، حتى باغته الموت، وفي يده “قُرص” روتي، لقد باغته الموت قبل أن يُكمله، لعل ما تبقّى منه تُركَ لنا لنأكله أسى، أو أن جريحاً آخر سيكمله..!!. الآن بقي كرسي الشهيد تامر دون تامر، وحيداً.. لربما ينتظر أن يمتطيهِ جريح ثورة منسي آخر. برقية إلى من يُهمّه الأمر ومن لا يُهمّه: يرقد على العراء في ساحة التغيير جريحان من جرحى الثورةِ، جريح يُدعى الحاج حمود والآخر يُدعى مراد الدبعي، يعانيان الإهمال ولا تتوافر لهما أبسط مقوّمات الرعاية الطبية، يموتان بصمتِ أيضاً ويشرفان على ملاقاةِ مصير تامر الرداعي وسطَ تجاهل فاحش، وبإمكاني أن أجزم أن مثلهما كثير من جرحى الثورة يباتونَ في عراء ضمائرِنا، فهل يتم الالتفات إليهم، مجرد التفاتة..؟!. [email protected]