لا أدري لماذا يستغرب الناس عندما يغش الطلاب، فقد أصبحنا في مجتمع “من غشنا فهو منا”، الغش موجود في جميع نواحي حياتنا، ويمارسه أغلب الذين حولنا بدون أي رادع ديني أو أخلاقي. الغش في المتجر والصيدلية والعيادة والمستشفى، الغش عند الجزار وعند بائع اللبن، وعند بائع العسل، الغش عند بائع القات، وزارع القات، في المدرسة أيضاً غش عن اليمين وعن الشمال ومن فوق الطلاب ومن تحتهم المدير يغش، والمدرس يغش والغالبية من الناس يغشون إلاِّ من رحم الله، أما في السياسة فأغلب انتخاباتنا غش، نغش في التسجيل، ونغش في التصويت، ونغش في العد، يعني من السياسيين الغشاشين، ومن الناخبين الغشاشين من البلاطجة والعصابات وبائعي الأصوات، ومن مسؤولي اللجان الغشاشين الذين يغالطون في الجمع والطرح وحساب المصالح والمدفوعات لكن دعونا نعود إلى المدرسة. «مشّي حالك» عندما يطبق الناس فلسفة “مشّي حالك” يصبح ذلك الشعار طريقة حياة، في المدرسة تبدأ الدراسة في بداية العام والطلاب بدون كتب وبذلك نحن نغش الطلاب في تعليمهم لكن نقول: مشّي حالك، ونضعهم في فصول متسخة، مزدحمة، بدون ضوء ولا تهوية وأحياناً بدون كراسٍ ونحن بذلك نغشهم في أبسط حقوقهم لكننا نقول “مشي حالك”، ثم يأتي الأستاذ غير المؤهل وغير المدرب التدريب الكافي وهذا غش واضح للطلاب لكننا نقول “مشّي حالك”، وعلى مدار العام يتلقى الطلاب التعليم بدون توجيه وبدون إدارة تضمن لهم حقوقهم وفي ذلك غش لهم وتهاون عن المسؤوليات، لكننا نقول “مشّي حالك”، ثم يأتي الربع الأخير من العام الدراسي ويأتي توجيه من وزارة التربية والتعليم بالمقرر والمحذوف في الاختبارات وهذ أيضاً غش وتلاعب بمعرفة الطلاب وأوقاتهم وحقوقهم، لكن أيضاً يردد الجميع “مشّي حالك”. وبالطبع يستغرب الناس ويستنكرون أن هناك غش في اللجان، في حين أن الأب يدعو أن يسهل الله لابنه الغش، والأم تدعو أن يلين الله قلب المراقبين، ويجعلهم من المخزنين الذين يقبلون الرشوات ولا يردون الصدقات، والعم يوصي من يعرف ومن لا يعرف من المراقبين، والأخ وأصدقاؤه ينزلون خرائط جوجل ليحددوا النقاط الاستراتيجية حول لجنة الاختبارات للحصول على الأسئلة وإعطائها للمبدعين ليسجلوا الإجابات النموذجية، في هذا المجتمع الغشاش كيف نستنكر غش الطلاب في اللجان. . إمام الجامع يقول أخف الضررين ويتغاضى عن غش ولده أو ابنته، والشيخ يقول: ولده أو ابنته لازم يحصلوا تسعين، وابن العسكري يريد منحة، وابن التاجر معه فلوس والفلوس “تدي الجن مربطين” مثلما يقولوا، وابن المواطن من هنا ومن هنا وتمضي أموره، المهم في النهاية نحن نعمل تحت قانون “مشّي حالك”. لماذا يغش الطلاب؟ إذا كان الطالب دراسته دون المستوي يعني “مشّي حالك” وفي حالة إحباط تدفعه إلى عدم الاكتراث بدراسته وبما حوله فدراسته ستعكس ذلك لكنه يعمل بقانون “مشّي حالك”، وإذا كان العام الدراسي ينتهي بين المظاهرات، والإضرابات، وعندما يحضر الطالب يحضر في بيئة تعليمية لا تحترمه، ولا توفر للكثيرين الحد الأدنى من ظروف التعليم الصحيحة، فمن أين سيأتي بالاستعداد السليم والصحيح للاختبارات لكن أيضاً يبقى للطالب قانون “مشّي حالك”، حتى وإن استعد حفظ المنهج دون أن يفهمه ليغير فكره ومهاراته المهم هو “مشّي حالك”، ثم إن هذا الطالب في الثانوية قد تعلم الغش وفنونه على مدى السنوات الماضية وأتى إليك في الثانوية خبيراً متفنناً متسلحاً بكل تقنيات العصر، فحظاً سعيداً لك وأنت تحاول منعه! ثم ماذا كان مصير الذين قبض عليهم وهم يغشون؟ ما مصير الطلاب واللجان التي تم كشفها؟ ما الذي حدث لهم؟ لم نسمع بالعقوبات الصارمة؟ وفي زمن ذبح الأثوار وتقديم الهجر إلى أين يُرسَل الثور والهجر هل إلى الإدارة التعليمية المحلية أم إلى وزارة التربية والتعليم في صنعاء؟ نحن في مجتمع لا حساب ولا عقاب، عصابة أخوك أو مرافقي أبيك العسكريين، يمكنهم أن يوسعوا المراقبين ضرباً ويعتدوا على لجنة الاختبارات وفي النهاية يحل الخلاف وكأنه سوء تفاهم بسيط ويأتي فلان ليقبل رأس فلان وفلان يسامح فلان والضحية هي وطن نغشه كل يوم. غشوا وتغششوا فنحن نغش أنفسنا ومجتمعنا ويمننا، غشوا ولا تستغربوا إذا كان الأستاذ في المستقبل غير مؤهل لأنه في الأصل غشاش، ولا تستنكروا إذا كان ضرر الطبيب أكثر من نفعه لأنه كان دكتور الغشاشين قبل أن يكون طبيباً فاشلاً، غشوا ولا تتوقعوا أن يكون الصيدلي أميناً وهو يبيعكم أدوية مهربة مغشوشة لأننا علّمناه وشجعناه على الغش حين كان صغيراً، علّموهم وشجعوهم على الغش اليوم يغشونكم غداً.