قيام دولة قوية وفاعلة في اليمن إلى جانب أنه مرهون بإرادات ومشيئات متعددة فهو يعتمد على متانة الوحدة الوطنية للشعب، باعتبارها مرتكز قوة الوطن والدولة المنشودة، وبدونها لن تنجح أي جهود لقيام دولة تحترم نفسها ويحترمها الآخرون، وتجسد طموحات اليمنيين الذين ناضلوا طويلاً وقدّموا التضحيات الجسيمة منذ بداية أربعينيات القرن الماضي من أجل قيام دولة مدنية عصرية ديمقراطية، وتجسد أيضاً طموحات الشباب الذين ينشدون بناء دولة مدنية تحقق التغيير نحو الأفضل. صحيح أن للدولة مقومات ومفاهيم محددة أهمها، الدستور والقوانين المنفذة لمبادئه، والتي على أساسها تُبنى المؤسسات وتمارس مهامها في الواقع، لكن الحالة في اليمن - وبحكم الإشكالات المزمنة التي استفحلت وأصبح حلها عصيّاً- فإن مسألة قيام دولة نظام وقانون مرتبط بعدم عرقلة ذوي الإرادات التي ظلت تعمل على إضعاف الدولة وتهميش دورها، وباستعدادها بأن تتخلى عن مصالحها الذاتية ورغباتها الأنانية التي دمرت تطلعات اليمنيين في وجود دولة قوية، وأثرت على بقية الإرادات التي تنشد تعزيز قوة الدولة وتفعيل دورها في المجتمع، فاليمن اليوم بحاجة أولاً إلى توفر إرادة سياسية حاسمة تتحلى بالشجاعة وتمتلك القدرة الكفيلة بتمكين الدولة من فرض وجودها، حتى يشعر الآخرون أن هناك عزماً وإصراراً وعدم تهاون في هذه المسألة الوطنية الهامة من قِبل القيادة العليا للبلاد وكل المؤسسات الدستورية، على أن تحكم البلاد في ظل دولة قوية بالمعنى الحقيقي لمفهوم الدولة التي تتعامل مع جميع اليمنيين من منطلق الدستور والقوانين بدون استثناء لأحد، باعتبار أن كل المواطنين سواسية في الحقوق والواجبات، وأن تكون صارمة مع كل من يحاول عرقلة دور الدولة وسيادة القانون، وفرض سيطرتها على كل ربوع الوطن دون مهادنة أو مجاملة أو تراخٍ في الحسم والحزم، وردع كل من يحاول التمرد على الدولة أو مقاومتها بأي شكل من الأشكال، والضرب بيد من حديد على كل من يضر بالوطن ومصالحه العليا، أو الإضرار بالمواطنين أو تعكير صفو الحياة العامة، ومن ثم تركيز جهودها لترسيخ أجواء الأمن والاستقرار والحفاظ على السكينة العامة للمجتمع، وإزالة أسباب الخوف والقلق لدى عامة الشعب الذين أنهكهم الانفلات الأمني وأعمال التخريب والتهريب والإرهاب، وانعدام الاحتياجات الأساسية والضرورية للحياة، وأن تعمل الدولة على حشد كل الطاقات الوطنية والإمكانات والموارد المتاحة لاستئناف عملية تنمية الوطن وتطويره، وفي نفس الوقت الحفاظ على سيادة اليمن واستقلالها وحماية أراضيها وإحكام السيطرة على حدود البلاد حتى لا تكون مصدراً ومعبراً لما يضر بالبلاد، ويضر أيضاً بمصالح وأمن دول الجوار، والعمل على تعزيز وتطوير علاقات اليمن مع الأشقاء والأصدقاء بما يخدم المصالح المشتركة للشعب اليمني وشعوب الدول الشقيقة والصديقة، والالتزام بمبدأ الاحترام المتبادل بين الدول، وعدم التدخل في الشئون الداخلية، واستعادة دور اليمن الفاعل في المحافل الإقليمية والعربية والإسلامية والدولية، وتعزيز مشاركتها في الحرب الدولية على الإرهاب، الذي كبّد اليمن خسائر كبيرة وجسيمة -أكثر من أي بلد آخر- وأقلق الأمن والاستقرار والطمأنينة العامة للجميع، وأوقف عجلة التنمية، وتسبب في مغادرة الاستثمارات العربية والأجنبية من اليمن، وتجميد السياحة التي كانت تشهد نمواً مضطرداً، كل ما كان الأمن مستتباً.. الإرادة السياسية ستظل محور ومرتكز كل جهود بناء الدولة، وإنهاء مظاهر تفككها أو فشلها في أداء مهامها الوطنية والدستورية، أمَّا الإرادات الأخرى فدورها سيظل عاملاً مساعداً في هذه المسألة الوطنية.. وسنتناوله في الحلقة الثانية بإذن الله.