إذا كان شهر رمضان شهر رحمة ومغفرة وعتق من النار وشهر مواساة وتضحية وفداء وبركة فإنه أيضاً فرصة للتغيير ومراجعة فقه الواقع وفهمه ومعرفة التحديات التي تقف حجرة عثرة أمام تقدم وتطور الشعوب لنحذر منها ونواجهها بقوة القانون، ولن يتم ذلك إلا بتكاتف الدول بكل مكوناتها مع الشعوب بكل أطيافها تحت قاعدة “وتعاونوا...”. وهذه التحديات التي ابتليت بها المجتمعات كثيرة ولا يتسع المقام لذكرها جميعاً بل سنوجز أخطرها فتكاً وأكثرها سُميّة ومرضاً في الواقع العربي بشكل عام والواقع اليمني بشكل خاص، ومن ثم نقترح الحلول المناسبة لمواجهتها والوقوف ضدها والحيلولة دون انتشار وتوسع بعضها أو القضاء على الأشجار الخبيثة واجتثاث بعضها الآخر. وأولى هذه التحديات: الأفراد المسلحون أو الجماعات المسلحة التي انتشرت في الآونة الأخيرة بين الشعوب العربية ورآها الناس تصول وتجول وتجعل نفسها دولة فوق الدولة، الأمر الذي يؤدي إلى القتل والخوف وعدم الأمان وإضعاف الدولة وفقدان هيبتها، ولا يخفى على الجميع أن بعضها - والعياذ بالله – تعد الشريعة الإسلامية شماعة للوصول إلى قتل الأنفس المحرمة بل يصل ببعضها – كما قال العلماء - أن تحل دم السنّي وتعد قتله جائزاً في شرعهم كتقرب إلى الله تعالى حسب زعمهم، وأكبر مثال على ذلك الجماعات المسلحة الشيعية، وهذه الجماعات لا يمكن التحاور معها إلا بقوة الدولة والقانون وإلا ستعيث في الأرض فساداً وستقتل كل من يخالف فكرها، وهناك أفراد مسلحون أو جماعات مسلحة أخرى تظهر هنا وهناك يمكننا التحاور معهم ونصيحتهم بترك السلاح، وإن لم نستطع فيجب على الدولة أن تنزع السلاح من كل فرد أو جماعة أو قبيلة أشهرته سواء على إخوانهم أو على الدولة مهما كلف الدولة ذلك من ثمن؛ ليعيش الناس بأمن وأمان وطمأنينة ويحسوا في هذا الشهر الفضيل أن للدم العربي قيمته ولا يمكن الاستهانة به وبيعه بثمن بخس أو قتله بدم بارد. وثانيها: الهيمنة الغربية على الدول العربية ونشر الجواسيس في كل مفصل من مفاصل الدولة، الأمر الذي يجعلنا عالة على الآخرين ولا ينجح لنا قرار، إضافة إلى أن القوانين والقرارات التي يجب أن نفعلها ونقررها يجب أن تنبع من واقع عربي خالص منبعه الشريعة الإسلامية الخالصة وليس قوانين الغرب التي لم يكن للإسلام فيها نصيب، وخاصة عند صياغة الدساتير التي ستبنى عليها قواعد الدول، وعليه فرمضان فرصة لمراجعة سياستنا مع الغرب وفرض السيادة العربية وليكن للعرب هيبتهم وقوتهم واتحادهم. وثالثها: الأنظمة السابقة التي أهلكت الحرث والنسل واستعبدت الشعوب ونهبت ثرواتهم وجعلت مصالحها فوق مصالح شعوبها تعد من أكبر التحديات التي تواجه الواقع العربي، والدليل على ذلك الدول التي قامت فيها ثورات الربيع العربي، هذه الأنظمة – وإن كان رأس هرمها قد سقط - مُعرقة في جذورها وجواسيسها كثيرة، وتريد أن تنتقم من الشعوب؛ فتارة تختلق الأزمات، وتارة تبث سمومها من وراء الستار، وتارة تتحالف مع قوى الشر وشياطين الإنس وعُبّاد المال من أجل الوقيعة بأبناء البلد الواحد، وهذا كله من أجل أن يكون لها ذكر وتحن الشعوب إلى ماضيها، والحل الرمضاني هو: يجب على الحكومات التي قامت فيها ثورات الربيع العربي أن تجتث الملوثين بالفساد وبدماء البشر، وبسط أنظمة قوية وفاعلة، واجتثاث الشر أينما وجد ومن ثم البحث عن شخصيات جديدة ليس لها صلة بتلك الأنظمة؛ لأن التغيير يبدأ من الأساس، ولا فائدة من إقامة الظل والعود أعوج، ولا فائدة من إقامة البناء وهناك من يخربون بيوتهم بأيديهم ولا يريدون للوطن أن يستقر ويأمن ومن ثم ينام بحرية دون منغصات. وآخرها: تفكك الجيوش من تحديات الواقع المعاصر وأهمها على الإطلاق؛ لأن الدول لا تقوم إلا بجيوشها حماة الديار، ويهاب الأعداء من الدول التي جيوشها مترابطة متحدة، والحل الرمضاني لهذا التحدي أن تبنى الجيوش على أساس خدمة الوطن وحب الوطن وتراب الوطن ولا تبنى لخدمة شخص أو فئة أو جماعة. وخلاصة القول: رمضان فرصة ومحطة تغييرية للدعوة فيه إلى مواجهة التحديات وبسط هيبة الدولة وإقامة شرع الله والابتعاد عن السوء وأهله، وإقامة فقه الوفاق والاتفاق، ونصيحة ولاة الأمر أن يتقوا الله في الأوطان والشعوب ويختاروا السبل الكفيلة والمناسبة لحياة الشعوب، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. [email protected]