ما أحوجنا إلى أن نجعل شعار الحياة بدلاً عن شعار الموت، والرحمة لكل البشر بدلاً عن شعار اللعنة، والنصر لمكارم الأخلاق ، لأن ديننا الإسلامي الحنيف يحث على الحياة واحترام آدمية الإنسان الذي أصله واحد لا فضل لأحد من بني البشر على الآخر إلا بالتقوى، فقد قال تعالى في محكم كتابه مقرراً هذه الحقيقة: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم) والنفس البشرية في الاسلام لها قدسيتها العظيمة، واعتبر أن الاعتداء عليها بغض النظر عن معتقدها أو لونها اعتداء على البشرية جمعاء ، فقال عزّ من قائل: (من قتل نفساً بغيرِ نفسٍ أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) ، والإسلام يدعو إلى البناء والعمران لا إلى الهدم والتخريب، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها) ، وجعل الاسلام شرط دخول الجنة المحبة بين الناس فقال عليه السلام: (لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، افشوا السلام بينكم) فالقلوب الخالية من الحب خالية من الإيمان ، فما بالنا اليوم نرى جماعات وطوائف تدّعي الإيمان وكلها حقد وبغض وتحمل أرواحاً تدميرية، لا تعرف للأخوة معنى ولا الرحمة قيمة، تستبيح الدماء البريئة وتنتهك الأعراض وتستحل الأموال وتدّعي إنها تدافع عن الاسلام وهي تسيء له أكثر مما يسيء له أعداؤه ، كيف لا ورسولنا الأعظم قد قال لنا: (لا يزال المرء في بحبوحة من دينه مالم يصب دماً حراماً) وقال عليه السلام: (لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من سفك دم امرىء مسلم) ، كما قال صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في صعيد عرفة: (إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلّغت، اللهم فاشهد) وقبل ذلك يقول الحق سبحانه: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها، وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً) ، فالله سبحانه لم يتوعد أحداً كما توعد قاتل النفس البريئة، فبأي دين أصبح البعض اليوم يسترخصون الدماء الطاهرة ويقتلونها تقرّباً إلى الله كما يدعون ، فأي ظلال أكبر من هذا الظلال ، وأي انحراف فكري أكبر وأعظم من هذا الانحراف، وصدق الحق سبحانه القائل (قل هل ننبؤكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون إنهم يحسنون صنعاً). إن كل من يستبيح الدماء ولو بالكلمة أو التحريض فإنه مشارك في هذا الجرم العظم ، فلنعلِ من قيم المحبة والتسامح والإخاء ونعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف فيه ، فلكل شخص أو طرف رأيه وتفكيره، ولنجعل من التنوع الفكري عامل قوة لا عامل ضعف وفرقة ، ونستبدل هذه الشعارات التي تدعو إلى الدمار والخراب والتي لا تصيب إلا أبناء الوطن الواحد والدين الواحد واللغة الواحدة والأصل الواحد، نستبدلها بقيم المحبة وشعارات تعطي للحياة قيمتها ورونقها، وتبعث الأمل في النفوس ، ونعمل جميعاً معاً على تطبيق مخرجات الحوار التي توافق عليها اليمنيون ونتجه إلى تأسيس وطن يتسع للجميع وفق الثوابت الوطنية وفي مقدمتها الوحدة والجمهورية والديمقراطية والمواطنة المتساوية وفقاً لقيم الاسلام النبيلة، فنحن قوم أعزّنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغير الاسلام أذلنا الله. اللهم ألّف بين قلوبنا واجعلها عامرة بحبك وحب الخير للوطن وللإنسانية كلّها.