إلى الذين باعوا ضمائرهم بحفنة من الدولارات، وآثروا الانزواء وراء الزعامات المهترئة، باحثين عن بطولات ماضوية هلامية، ومجد تاريخي أفل، وبقايا أطلال ودمن وبعر آرام بين الفيافي وساحات القصور، ولكن انكشفت نواياهم السوداء، وتعرّت سوءاتهم النكراء، ومهما حاولوا إيقاد الشموع، ودق الطبول، والرقص على رؤوس الثعابين.. إلا أن قطار الزمن قد فاتهم.. وجعلهم يلهثون وراء السراب. ألم يخجلوا من أنفسهم..؟! هم يثأرون، ويتسابقون.. ويتنافسون من أجل تدمير الوطن.. وإشعال الحرائق والنيران حتى يظل الوطن دون انتظار أو حلم لفجر جديد.. أو خيوط بيضاء تلوح وراء الأفق تضيء الصدور.. وتملأ النفوس حبوراً بعدما مُلئت جوراً وظلماً. وهناك في زوايا الوطن الجريح.. يفوح حنان أمي من بين المكان.. ويخترق شغاف قلبي رغم بون المسافات الشاسعة.. وزمن الرحيل.. إلا أن رائحة خبزها مازال يزكّم الأنوف.. ويذكّرني بوطن عاقه أبناؤه رغم أنهم تمرّغوا بترابه.. وترعرعوا بين أفيائه وظلاله.. ورضعوا من لبانه.. وارتشفوا من رحيقه، إنه العقوق.. عقوق الأوطان في لحظة الذل والخزي والانكسار.!! كم وطني مليء بالجراح.. وجراحات السنين.. وهلوسات المأزومين.. أما يكفي ما فعلتم بالوطن؟! إلى أين أنتم سائرون به.. يا رؤوس الفتن.. ومنبع الأحقاد والإحن..؟! ألم تتّعظوا من دروس وتجارب التاريخ والأمم السابقة, كانوا أكثر منكم قوة وآثاراً ولكن أين هم اليوم؟! لقد أفسدتم أجواء الوطن بأبواقكم الصدئة.. وطبولكم المهترئة ..حتى فاحت الروائح النتنة.. وملأت سماء الوطن.. ولم يتبق سوى دخان انتقامات وأوجاع قديمة.. وتصفيات كيدية راكدة في نفوسكم السقيمة.. تنتظر مجيء المواسم لشنق الوطن بأسمال بالية.. وعمائم جوفاء.. وسراويل دنسوها بطلاسم السوقة والدهماء.. لا تعرف سوى طريق الموت والدماء. إنها ثقافة القحط السياسي والفكري والحضاري.. إنها ثقافة الدماء والعقول الخاوية العقيمة في زمن الخواء الروحي والإيماني والأخلاقي والثقافي.. وصدق المثل القائل: «لا تبك على من مات.. ولكن ابك على من خف عقله» إن زمن الزيف وتسويف الحقائق.. وقلب الموازين.. واللعب بالبيضة والحجر.. وقراءة الكف والفنجان قد ولّى واندثر.. فجيل اليوم ليس كجيل الأمل.. بل بات أكثر وعياً وثقافة وعلماً واستشرافاً وطموحاً لمستقبل أكثر رقياً وتطوراً وازدهاراً لبناء وطن جديد قائم على العدل والمواطنة المتساوية. هكذا الشتاء السياسي في بلادي.. دافئاً حيناً, وقارصاً أحياناً.. تحمله مواسم الرياح الموسمية والعواصف الهوجاء. رغم هذا وذاك سنظل نمضي دوماً إلى العلياء مهما كان الطريق مليئاً بالصخور الشائكة.. والهضاب الوعرة. حتى نقرع أبواب الثريا.. ونعرّي زيف المأزومين.. ونقبّل عين الشمس في تحد وشموخ وكبرياء.. كي نلمح – ولو بصيصاً من أمل – وراء الأفق حتى نتنفس الصعداء.. ونعيد للوطن أنفاسه الرمضاء رغم الأين والإحن. وكان الله في عون الوطن.