الوطنية الحقة كالفطرة تولد في خلايا الروح، الحياة للوطن من أثمن ما تُهب له، والتضحية بالروح لأجله طريق المرور لديمومة الحياة. قادة الأوطان تُعوّل عليهم قيادة دفة البناء، ودفع عجلة التنمية للأوطان، ويمكن أن يكونوا سبب التأخر، ومن هنا تُقاس معاني التضحية وأصالة الانتماء، كما أن فترة الحكم تُعطي دلالة لمؤشرات البناء للوطن والمواطن، أو مؤشرات نحو التدهور والسقوط. أن يعمل القادة للجميع يعني وجوده من فكرة وقناعة الجميع، والعمل للذات فقط رؤية منعزلة عمن حوله من أرض وإنسان. لا يحتاج قادة الدول إلى إثبات وطنية، وشهادة انتماء وسلوك، فإنجازات الواقع دليل إثبات وتقاعسهم عن واجبهم هو تخلّيهم عن مسؤوليتهم التي كُلفوا بها، أما ما يقع من تصرّفات ضد أوطانهم فهذه سابقة لا يتصف بها إلا من خانوا أوطانهم واستأثروا بمقاليد الحكم بالقهر والظلم والاستبداد والأنانية عبر التاريخ، القادة الواقفون ضد أوطانهم وشعوبهم لديهم خلل جيني في انتمائهم الوطني، واضطراب في الولاء، فكرّسوا حياتهم السياسية ودهاءهم في استخدام أدوات شيطانية للاستنزاف ضد مقدّرات الوطن وإمكانياته، والعمل على عدم استقراره، وزرع عبوات الفساد والدمار، وسلوك طريق التوافق في عقد التحالفات غير المشروطة وفق أجندة ومشاريع هزيلة. الرئيس البرازيلي السابق (لولا دي سلفا)، أو ما يُطلق عليه (الرئيس الفقير) قاد دولته إلى أوج التنمية والنماء الاقتصادي حتى بلغ بها إلى خامس أغنى اقتصاد في العالم، بكى الزعيم أمام شعبه، ولم يبكِ لأنه غادر الحكم، بل لأن الشعب احتشد في كل المدن البرازيلية طالباً أن يبقى في الحكم، ويغيّر الدستور لكي يعطيه فترة ثالثة للرئاسة بعد أن ترأّس لفترتين، رفض الزعيم وقال جملته المشهورة: (أنا أغادر الرئاسة لكن لا تعتقدوا أنكم ستتخلصون مني، لأني سأكون في شوارع هذا البلد للمساعدة في حل مشكلات البرازيل). وهو ذاته القائل: (علّمتني أمي كيف أحترم نفسي حتى يحترمني الآخرون)، ما الذي يتناسب أن نقوله لرؤسائنا السابقين الذين حكمونا؟! الزعماء الذين لم تبكِ عليهم شعوبهم، بل هم الذين أبكوا شعوبهم بكل وسائل الظلم في حقهم والخيانة لأوطانهم.. زعيم أفريقيا الوسطى يقف خطيباً أمام شعبه باكياً وقائلاً بمعنى كلامه:(لقد ظلمنا هذا الشعب، وقد آن الأوان لنعيد له حقوقه)، ويُقيل عدداً من وزرائه أوغلوا في الفساد، ويُنهي حرباً طائفية بين المسلمين والمسيحيين، فما بالنا بزعماء يؤجّجون حرباً للطائفية والمناطقية والمذهبية في أوطانهم؟، الفرق شاسع بين زعماء بكوا على شعوبهم، وزعماء أبكوا شعوبهم. [email protected]