بالرغم من أن العالم واليمن جزء منه يعيش عصر العولمة وعصر التطور التكنولوجي في جميع المجالات، وأصبح الحاسوب وشبكة الإنترنت وجميع وسائل تدفق المعلومات، تستخدم في معظم شؤون البشر، سواء كانت سياسية أو اقتصادية.. أو ثقافية أو اجتماعية.. أو غيرها من الشؤون الحياتية.. رغم ذلك كله مازلنا نتميز دون فخر بوجود حالات أعجب من العجب في بعض المصالح والوزارات الموقرة.. تمثل تلك الحالات الانعزال والعيش خارج هذا العصر ومتغيراته وتطوره.. صحيح أن الوزارات والمصالح الحكومية.. مازالت في حاجة ملحة للمزيد من الإصلاحات الإدارية .. للقضاء على جوانب الفساد وكشف عديمي الضمائر فاقدي الإحساس بالمسؤولية.. والحرص على المصالح الوطنية.. ومع أنه لا يمكن تجاهل الدور الرقابي الذي يقوم به جهاز الرقابة والمحاسبة، والهيئة العليا لمكافحة الفساد في رصد بعض المخالفات الإدارية والمالية.. وقضايا التلاعب بالمال العام، لكن الأمر مازال يتطلب المزيد من الاهتمام والعناية.. بحيث يقّدم الفاسدون للعدالة لينال كل منهم جزاءه الرادع، وذلك لجعل هذا الدور الرقابي أكثر تأثيراً وفاعلية.. ومهما كانت الظروف، يجب النظر بجدية للأهمية البالغة للتوظيف الأمثل لاستخدام أحدث الوسائل العصرية في المجالات المختلفة لأعمال الإدارة والمال في جميع المصالح الحكومية.. وبالتالي فهناك ضرورة قصوى لتنظيم الدورات التدريبية.. لمختلف الكوادر الوظيفية.. في سبيل اكتساب الخبرة ومعرفة كيفية التعامل بواسطة تلك الوسائل الحديثة باقتدار ودراية.. وهذا لا ينفي أنها تستخدم بشكل محدود في بعض الوزارات والهيئات.. لكن ذلك يشكل نسبة ضئيلة من الطموحات والتطلعات التي نؤملها لبلادنا وبالأخص في جوانب الإصلاح الإداري في ظل استمرار التطورات التي تحدث كل يوم في العالم في مختلف المجالات.. ولكي نتمكن من التعامل بلغة العصر فلا مناص من التغيير والتحديث لأساليب الإدارة وليس هناك اختيار آخر في هذا الشأن.. وكما أن التحديث والتطوير يتطلب المعرفة والإرادة والسعي والإتقان.. فإن الإصلاح يتطلب العزم والحسم والحزم وربما الصرامة في بعض الأحيان.. وعادة ما يقاس نجاح العمل في مرفق أياً كان.. بسلامة وحسن الإدارة وبمدى خبرة والتزام كل فرد فيه بتخصصه في أداء مهامه.. وكذا تعامل الجميع في مختلف الأمور بمسؤولية وحكمة.. كل ما أوردناه حديث ذو مضمون منطقي وطبيعي على مختلف المستويات.. لكن الطريف هو الموقف الغريب الذي حدث لأحد الموظفين بإحدى الوزارات.. ونورده كمثال حي لبعض الحالات غير الطبيعية التي تحدث في عصر التكنولوجيا والمعلومات.. ورغم طرافة الموقف إلا أنه يدعو للتعجب والاستغراب ويمثل إحدى السلبيات التي نعاني منها في بعض المصالح والهيئات.. فقد أسعد الحظ هذا الموظف وتقرر إيفاده ضمن زملاء له في دورة تدريبية إلى أحد الأقطار العربية.. وقد تم ذلك بالطبع كما هو المعتاد في إطار إجراءات رسمية.. تضمنت موافقة المسؤولين والمعنيين بالوزارة المعنية.. وذهب المذكور مسروراً في أمان الله لاكتساب أهم متطلبات هذا العصر وهي الخبرة والمعرفة العلمية.. وتنقضي مدة الدورة التدريبية.. ويحقق هو ورفاقه نتيجة طيبة ومرضية.. وعند ذلك يفاجأ بمكافأة مجزية.. منحها له الراسخون في الإحباط من أرباب العرقلة والجهل الإداري المسئولون المعنيون بالوزارة.. حيث بشروه بالخصم من مرتبه عن الفترة التي قضاها في تلك الدورة.. وبدلاً من أن يمنح علاوة وكلمة تشجيع على اجتياز الدورة بنجاح.. عوقب بالخصم واللوم وحتى يثبت أنه على حق عليه أن يتحلى بالصبر والتحمل والانشراح.. وأن يحمد الله على ضياع مرتبه إيماناً بالقضاء والقدر وأن يأخذ الأمور ببساطة (وما راح راح)..! ألا يشير ذلك إلى وجود مسؤولين يعيشون خارج العصر؟! فالعالم في وادٍ وهم في (وادي الطرفة وصح قال صح).. وفي الوقت الذي ندعو فيه إلى مواكبة التطور والارتقاء بمستوى الأداء وفق ما هو متاح.. يظل أولئك في عالمهم الخاص الذي يتسم ظاهره بالجمود واللامبالاة والتكاسل.. وباطنه بالعبث والغفلة والتغافل.. فكان الله في عون هذا الشعب على مثل هذه النماذج الفريدة.. وهنا لا نملك إلا أن نقول للحكومة الرشيدة.. (أنّس الله بحياتكم) وألهمكم الصواب لإصلاح هذه الأوضاع المتردية .. ونأمل المبادرة بالإعداد الفوري لانتفاضة للإصلاح الإداري في جميع مرافق الدولة بصورة فعلية.. وتلك هي القضية.