- أحمد قائد الأسودي .. 1 ذلك القادم من الشرك والجاهلية إلى الإسلام.. كان أداة التغيير والتمكين للإسلام.. فيما نعجز عن مثل ذلك اليوم بالمسلمين أبّاً عن جد... بعث الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وحيداً بمفرده.. تماماً كما بعث من قبله الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أفراداً.. ثم انتزعوا من الواقع.. أولئك الأفراد.. والذين التفوا حولهم على مدى من الزمن المتفاوت بين رسول وآخر... أولئك الأفراد كانوا يمثلون وجودا وجاهزيات معترف بها في واقعها على تفاوت.. فلم نعلم.. أن الله أرسل بمجتمع أو بفريق من البشر من الجاهزيات المتكاملة المأمونة المضمونة المعدة بعناية لإنجاح رسالاته.. مبتدئين من كيان اجتماعي من فريق من الرسل لتعزيز الحق والدعوة كجماعة بشرية قوية من أول يوم. ولم نعلم أن الرسالات كانت تستهدف عديمي الجاهزيات.. من صغار السن والأطفال.. من أولئك دون سن التكليف.. ودون سن الحكمة.. ومن تكلم منهم صبياً.. فهي لدفع شبهة وتأكيد نبوة قادمة حملت مع ميلادها معجزاتها... ولم نعلم أن رسولاً بدأ بجمع الصغار ليربيهم ويعلمهم حتى يكبروا ليقوموا بدورهم بعد ثلث قرن من التربية والتعليم والتأهيل.. وما علمناه عن نوحٍ عليه السلام أنه أمضى ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعو قومه وليس يربي قومه.. فهو كان يدعو جاهزيات تملك حق التصرف وإتخاذ القرار وإمكانية الحوار والجدال المسئول.. فلقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم وجميع الرسل يستهدفون الواقع بدعوتهم.. بما يمثله من جاهزيات تعرف جيداً ماذا تعني هذه الدعوة؟؟ ماأهميتها؟؟ ماأثرها على وجودهم الذاتي/ الجماعي؟ ماأثرها على مكاسبهم ومصالحهم على تراثهم.. على ثقافتهم وتاريخهم.. على علاقتهم بواقعهم وبما حولهم؟؟ ولذلك فقد أنبأنا القرآن الكريم والسنة المطهرة وأنبأنا التاريخ مواقف الناس من الدعوة.. فمنهم من سارع إليها ومنهم من رفضها واستعداها .. ومنهم من أجل قراره فيها.. وتعددت طرائقهم في التعاطي مع الدعوة.. مما يؤكد أن الساحة المستهدفة بالدعوة كانت ساحة الجاهزيات على تباينها واختلاف درجاتها وعلمها..إلخ.. بشكل رئيسي وأساسي. الأمر الذي يجعلنا نقف بجدية وعمق أمام هذا الأمر.. ولماذا استهدفت الجاهزيات بالدرجة الأولى؟؟ والخلاصة التي وصلت إليها.. هي أن الرسالات السماوية.. والرسالة الخاتمة.. أرسلها الله.. لتغيير واقع الناس.. وتغيير الواقع هو شأن الجاهزيات.. فهي الأقدر على الفعل الفوري في البدء بعملية التغيير بقدر عددهم وساحتهم وإمكاناتهم ومتاحاتهم.. ولذلك فالانصراف كاستراتيجية رئيسة إلى ساحة عديمي الجاهزية للتغيير بهم.. يصبح ذلك في حكم الخطأ الكبير.. ويلزم إعادة النظر في الأمر بشكل جدي فربما يسهم ذلك في تفادي انحطاط المسلمين.. حين يضع المسلمون أيديهم على القادرين على التغيير من القدرات الفاعلة في واقعها ومواقعها. 2 ومما عرفناه من سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. أن هناك تسلسلاً رقمياً عرف به من أسلم من الصحابة في مكة.. بالأخص في سنوات الدعوة الأولى.. فهناك أول من أسلم من الرجال والأول من النساء والأول من الصبيان والأول من العبيد.. وهناك الثاني والثالث والرابع والخامس في سلسلة قائمة المسلمين ككل.. مما يعرفنا أن هناك فوارق زمنية متباينة بين مسلم وآخر سبق بها أحدهم الآخر.. أو تأخر بها عنه.. ثم هناك من أسلم قبل الفتح أو قبل الهجرة الأولى أو الثانية أو قبل أُحد أو بعدها أو قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعدها.. فإلى أي مدى كانت تعيق تلك التفاوتات الزمانية تفعيل الجاهزيات الإسلامية فيما تميزت به بأقصى مداها؟؟ وعلى أي مدى كانت تتمتع بثقة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؟ وإلى أي مدى كانت تخضع للاختبارات الدقيقة لتصبح محل ثقة لتفعيل جاهزيتها كل حالة على حدة؟؟ بالأبطال وحدهم يكون الاقتحام وبالرسالة الحقة والكلمة الحقة يندفعون بضراوة ينسفون من فورهم بقوة مخلفات ماضي وجودهم الجاهلي المشرك المتخلف موروث الآباء والأجداد وعقود طويلة من العمر.. 3 قد تتمتع الجاهزيات بمكانة معنوية.. وأجرها عند الله.. على قدر سبقها إلى الإسلام وبلائها.. مقارنة بغيرها في بعض الأحيان.. ولكن بتعجيل تفعيل الجاهزيات وتمكينها من المشاركة بفورية فيما تميزت به.. كاستراتيجية ألغى التأجيل لها عند الرسول صلى الله عليه وسلم.. فلقد نقلت إلينا السيرة أنه صلى الله عليه وسلم.. كان يمكن الجاهزيات من دورها على الفور من لحظة إسلامها.. فذلك مافعله مع عمر رضي الله عنه حين أسلم.. ومثل ذلك فعله مع أبي سفيان.. ومثل ذلك فعله مع نعيم بن مسعود.. والأمثلة كثيرة.. فلم يكن ليؤجل الرسول صلى الله عليه وسلم تمكين الجاهزيات من دورها فور إسلامها في المعظم الغالب فيما تميزت به بشكل رئيسي.. مما يؤكد أنه كان يضع الرجل المناسب في المكان المناسب.. بل لقد اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توسيد الأمر إلى غير أهله من علامات قيام الساعة.. ومن الأعمال التي تغضب الله تعالى.. وذلك لأنه يترتب عليه مفسدة للأعمال وفي الأداء ومن أهم صفات أهل الأمر.. الجاهزية المتميزة المكافئة لطبيعة الأداء والمهمة الموكلة إليه.. إلى جانب الجاهزيات الأخرى.. الإيمان والتقوى.. فالأقدمية والإيمان والبلاء الشديد الذي عرف به بلال رضي الله عنه لم يكن ليؤهله ليكون من توكل إليه مهمة خالد رضي الله عنه.. الذي أوقع بالمسلمين في معركة أحد كارثة دامية.. فلكل دوره المكافئ لجاهزيته.. ولكل أجره ومكانته عند الله بحسب ماقدم.. وإذا كانت الأسبقية للإسلام تستحق الاحترام والتقدير والأولوية.. فإنها لم تكن على حساب الجاهزيات فيما تميزت به.. فتأخر إسلام خالد عن إسلام بلال رضي الله عنهم.. لم يؤثر في ثقة الرسول صلى الله عليه وسلم به.. ولم يتسبب في إرجاء وتأجيل تفعيل جاهزيته المتميزة.. بالأخص إذا كانت الحاجة تفرض ذلك لحظتها.. كما فعل مع نعيم بن مسعود في غزوة الخندق رضي الله عنه. 4 ظهور الحالات التي كان من المفترض أن ترفع مستوى الحذر والحيطة لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الجاهزيات الجديدة والقديمة.. مثل ظهور حالة النفاق «عبدالله بن أبي» وظهور حالة الضعف لدى أحد ممن حضر بدر «حاطب بن أبي بلتعة» رضي الله عنه الذي أرسل بالرسالة مع المرأة إلى مكة.. ليكشف سر ماهو قادم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفتح لمكة.. خوفاً على أهله في مكة من المشركين.. فانكشاف أمر الرسالة.. وغيرها من المواقف.. لم تلغ سياسة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعاطي مع الجاهزيات الجديدة التي تدخل الإسلام كل يوم.. وفي تفعيلها الفوري.. ولم تكن الحيطة والحذر هي ذات الأولوية العظمى على حساب تمكين الجاهزيات.. من أداء تميزاتها لتوسيع ساحة الفاعلية بالأداء الإسلامي.. ومثل ذلك لم يكن ليمنع من تدابير خصوصية.. تمكن الأسبق إسلاماً الأكثر بلاءً خصوصية عالية الأهمية.. تتناسب مع جاهزيتهم وتميزاتهم.. فلم تكن الخصوصية التي كان يتمتع بها أبوبكر رضي الله عنه لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكن أن يتمتع بها صحابي غيره وهكذا. فإلى أي مدى يمكننا التعاطي مع هذه السيرة العطرة في عصرنا الحالي؟؟ في ظروفنا؟؟ وإلى أي مدى يطابق أداؤنا الدعوي الإسلامي.. ذلك الأداء النبوي الكريم؟؟ وماالذي يمنعنا من الاقتداء به؟؟ 5 لقد تعلمنا من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن في ظروف مثالية أو في حالة استثنائية.. فلقد كان يتحرك في ظروف صعبة ومعقدة ومليئة بالمخاطر والمؤامرات والأعداء.. وبإمكانات مادية ضعيفة للغاية مقارنة بإمكانات أعدائه من المشركين واليهود.. ودفع ثمناً باهظاً لتغلغل واختراق النفاق صفوفه في أُحد وغيرها... ولكن ذلك كله لم يلغ لديه استراتيجية استهداف الجاهزيات بالدعوة.. ولم تخففها ولم يؤجلها... ولم يعد النظر فيها. وتعلمنا من السيرة.. أن التمكين للإسلام لم تكن شروطه المادية/ المعنوية مكتملة في حدها الأدنى..ولم يكن الدين قد اكتمل.. ولم يكن الجيل الثاني الإسلامي قد نشأ... فلقد كان التمكين على يد الجيل الأول.. ولقد ظهرت خلافات بين المهاجرين والأنصار في كثير من المواقف.. بسبب المغانم في حنين وبني المصطلق.. ولم يسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى في مكة ومن الأذى في المدينة.. في أحد.. ولم يسلم من قصة الإفك.. ومن التكذيب والسحر والتآمر ومحاولات القتل.. ولم يسلم من المشكلات مع الصحابة في حنين وفي صلح الحديبية وفي أحد والأحزاب.. إلخ. فالتعاطي مع الجاهزيات كثيرة المشكلات.. ولكنها في الوقت نفسه فورية الأثر قوية التغيير.. سريعة الخطى نحو التمكين الفعلي والهيمنة حين يوجد من يملك المشروع الجامع وثقافة التعاطي مع الجاهزيات ومقدرة إدارتها. لقد تعلمنا من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الجاهزيات هي الهدف الرئيس دعوياً.. وأن التربية طويلة المدى لعديمي الجاهزيات كأنها محصلة طبيعية وهدف ثانوي أو مساعد وأداء تلقائي.. وأن قوة هذه الدعوة تكمن بداخلها كونها الحق.. الذي ينسف لدى الجاهزيات فساد ثقافة عقود بفورية.. وبفورية.. يفعل الجاهزية لصالح الإسلام على غير دعوات الضلال قديمها وحديثها.. التي غالباً تحتاج إلى تعليم وتربية لسنين وعلى مدى أجيال.. فمهمة الدعوة الإسلامية انتزاع الجاهزيات من الواقع الضال لسحق الضلال نفسه.. من أنفسهم وواقعهم.. وصناعة التغيير الفعلي السريع في الواقع.. فكيف يمكن خطاب الجاهزيات في واقعنا واستهدافهم بهذه الدعوة الحقة لإنقاذ البشرية من خلال استخدام متاحات الساحة في هذا العصر بتقنياته المتقدمة ومتاحاته الواسعة المتعددة المتجددة.. إلخ. 6 نخلص إلى أن صناعة التحول والتغيير مرتكزها الكبير هو الجاهزية.. وأن الجاهزيات هي أداة التغيير.. وأحسن طريقة لخطاب الجاهزيات والتعاطي معها.. هي الطريقة النبوية الصالحة لكل زمان ومكان والمنسجمة مع طبيعة الرسالة الحقة. فخطاب الجاهزيات.. يمكن تصنيفه.. إلى: خطاب الجاهزية الكافرة... للظفر بجاهزيات يتم انتزاعها من ساحة الكفر ليكون هناك المسلم الجديد الذي اتخذ قرار الإسلام. وخطاب الجاهزيات المسلمة الغافلة الضائعة.. للظفر بجاهزيات مسلمة يتم استعادتها من ساحة الغفلة ليكون هناك المسلم العائد الذي اتخذ قرار العودة إلى الله.. فهو بذلك مسلم جديد.. وخطاب الجاهزيات المسلمة بالوراثة.. للظفر بالجاهزيات المسلمة ليتم تمكينها من انتقالة جديدة... ليكون هناك المسلم بالقناعة الذي اتخذ قرار القناعة بالإسلام.. فالإنسان الذي اتخذ قرار الإسلام هو المسلم الجديد.. هو إنسان التغيير صانع التحولات إذن فالمسلم الجديد هو أدات التغيير الجديدة.