منذ أن تحطمت شجرتي الوحيدة أمام تلك الأعاصير العاتيه التي عبثت بها يميناً وشمالاً فجردتها من أوراقها وسلخت منها أغصانها وقطعت فروعها وأوصالها لتجرهما إلى المجهول وعبثاً تقتلع جذعها من جذورها لترميها جانباً..ذكرى أليمة! ومازال يتهادي إلى مسمعي صرير تلك الرياح..ولن ينتهي! وقتها كانت الليلة مقمرة والأوراق والأغصان تمر من أمام نافذتي مودعة على عجل. وأتذكرني وأنا أقف في بداية الثلث الأخير من الليل بجانب نافذتي لاتفنن «دون وعي» في تصوير سرد مأساتي بعد حلم أزعجني، أيتظني لأجد نفسي مهرولاً أما النافذة. ومازال عواء الكلب «وربما الثعالب التي لم أسمعها من قبل الا في الحكايات» يطن في أذني كلما خلدت وحيداً إلى زاوية غرفتي. «أيعقل من كابوس إلى كابوس بددتها سعاداتي» قلتها حينها لم استوعب تلك الحقيقة المرة التي مازالت تعصف بي في تلافيف تلك الزوبعات التي عصفت بأجمل ماهو لي. لم أتذكر تاريخها إلا أني أعى أنه في ذروة ماتكون فيه الزوابع دون شاغل، فهي كعادتها في موسمها تأتي لتعبث بكل ماهو جميل فتقضي عليه وتدمره. إلا أني مازلت أحصي الأيام بل الثواني التي توالت بعد ذلك لأنها ماعادت تحتسب لي. لحظات كالمسنين مرت وهي تتلاشى أمام ناظري وأنا أودعها وريقة ورقة غصناً غصن وأودع معها أحلى وأجمل الأيام. فمنذ ذاك الوقت حتى صباحه كان يلوح في ذهني بأرق أمل آملاً أن مايخفيه الليل يظهره النهار وقتها كنت أتفنن في التعليل والتحليل عما يدور خارج مخدعي لعلي اقنعني بأسباب كثر مارجحتها فشجرتي ماعهدت فيها إلا تلك القوة الفتيه التي لاتشيب فهي الأقدر على تحمل أي أعاصير أو زوابع كثر ماقد توالت الأزمان عليها فكان يضرب لها المثل في هذه الأزمات. يالله!! لكنني أرى بصيص ضوء يتهادي إلى مقلتي خيل لي أنه منزل يقع خلف شجرتي ببضع الكيلومترات إلا أني لم أره من قبل! فأوجست في نفسي خيفة، إلا أني علقت حثالة أمالي على نور الصباح! أصوات ذكر للإله تتسارع من المأذن المجاورة لتبدد معها جبروت تلك الرياح، وتأذن للظلام بالرحيل أنوار ضئيلة تظهر من ديابيج ظلام الديار المجاورة التي سرعان ماتنطفئ. أصوات الأجداد تتخافت خارج أبواب البيوت بالذكر والسلام والشكر ثلاثة قليلون يأتون وآخرون يخرجون. يالها من ليلة قاسية لم أعهدها بحياتي..حتى تلك الشجرة القوية «تتاهمس بعض النسوة» تجمدت الدماء في عروقي وتسمرت في مكاني وجاء ضوء الصباح يحمل البشارة..فأكفهر وجهي من سوء مانشرت به وأشعل أحزان لم تدون في قائمة أحزاني!! ودمر اخر..بل كل آمالي وأنا أتفحصها عن بُعد وقد تبرأت الأرض من جذورها والسماء من أغصانها والنسيم يلعب بأوراقها، حتى الطيور التي منها من مكثت بجانبها تشاطرها الحزن وتبادلها الوفاء بصمت أبدي أبت إلا أن تكون معها في الشدة والرخاء، واخر ينظرنها بازدراء لعلها أوهمتها بقوة سرعان ماتهاونت أو تقاعست في أداء الواجب المعهود منها، واستبشرت خيراً تلك الزواحف والثعابين ففي خرجت من أوكارها منذرة ببدء عهد جديد أتاح لها النظر في الأفق البعيد، وبينهما وقفت أبكي على شهيدتي، ألملم بقايا ذكراها الذي غطى بخيره كل البقاع المجاورة علني أجد الفسيلة التي أراها كغيري في منامي تتنامى وتكبر في يدي لتعود تلك الشجرة. فباتت تؤرقني كل التفاصيل الصغيرة التي ألقاها كل يوم فحكاية الآباء للصغار عن أمجاد وخير الشجرة الذي عم البقاع وآخرون يرددون تفاصيلها الأخيرة وآخرون ينبذون بالفسيلة. ففي الأسواق في البيوت في المقاهي في المعارض في دور العبادة يحتفظ الجميع بجزء من الشجرة..باتت البركة الوحيدة وكغيري مازلت أبحث عن الفسيلة. al- [email protected]