يمكن للغلاة في مناهجهم، والمستبدين بآرائهم، والمنحرفين في أفكارهم والمتطرفين في سلوكهم ، أن يتعصبوا لأفكارهم، ويستميتوا في الدفاع عن قناعا تهم، ويعلنوا عبر كل وسيلة عن مواقفهم فهذا شأنهم وعهدنا بهم .. ويمكن لهم كذلك أن يدّعوا أنهم على الجادة السوية والطريق المستقيم والمنهج القويم وأنهم أصحاب الحقيقة المطلقة، فهذا هو دأب الغلاة في الماضي والحاضر على حد سواء. ويمكن لغلاة العصر من أدعياء الغيرة على الدين والحمية على المقدسات والاستبسال ضد الأعداء، أن يصدحوا بشعاراتهم الرنانة، وأن يمار سوا عنفاً بألسنتهم، وقسوة في خطاباتهم، وأن يتطاير الشرر من بين ثنايا كلماتهم، فقد تعودنا أن نرى منهم ذلك. أما أن يتحولوا إلى مجرمين قتله، فهذا مالا أفهمه ولا أستوعبه !! أن يسفكوا دماً حراماً، ويقتلوا إنساناً بريئاً، ويزهقوا أرواحاً مسالمة، ويعتدوا على آمنين لاحول لهم ولا قوة، فهذه والله كارثة وفاجعة أليمة، سواءً أكان ذلك الاعتداء على مسلمين أم على غير مسلمين. والأمر إلى هنا مجرد قتل واعتداء على الآخرين بدون وجه حق أو مبرر شرعي أو قانوني، أو سلطة مخولة،لكن المصيبة تعظم والكارثة تصبح مروعة ، عندما يكون هؤلاء قتلة باسم الإسلام، ويدّعون أنهم إنما يمارسون جهاداً في سبيل الله، ويقتلون انتصاراً للدين، وذوداً عن المقدسات، وإذلالاً للأعداء، وهم في الحقيقة إنما يفجرون الأوطان، ويلغّمون الدين ،ويقتلون قيم الإسلام في النفوس، ويصدون غير المسلمين عنه، ويبثون الخوف والرعب بين الناس. لاشك أن الجهاد في سبيل الله فريضة، ومقارعة الأعداء واجب، وتحرير الأوطان مشروع، والدفاع عن الأعراض والمقدسات ضرورة، والانتصار للدين مطلوب، لكن هذا لا يعني خلط الأوراق، وممارسة عنف مرفوض باسم الدين المعصوم، وتحويل الجهاد المقدس إلى رعب وإرهاب. ثم أي َ دعي هذا وهو يقول أن قتل الأبرياء من المستأمنين جهاداً ؟! ومن قال إن الغدر بالآمنين شجاعةً وبطولة ؟! ثم وبعيداً عن هذا كله من قال إن الإسلام يبيح لأتباعه إذا خاضوا جهاداًَ مع أعدائهم ودخلوا ساحة المعركة أن يُفجًروا الأجساد، وينسفوا الرؤوس ويمزقوا الأمعاء، ويُقطعوا الأوصال ؟! فهذا مرفوض في المواجهة وعند احتدام المعركة، إذ للجهاد في الإسلام آداب وضوابط وقيم لا بد من الالتزام بها، فكيف عندما يكون الأمر مع غير المحاربين من المدنين الآمنيّن رجالاً ونساءً وأطفالاً ؟! ومن هذا الذي يدعي أن الإسلام يبيح ذلك العنف وتلك الوحشية وتلك القسوة التي لا رحمة فيها ؟! إن الإسلام دين الإنسانية جمعاء، دين القيم والمبادئ والأخلاق، دين الرحمة والسماحة والإحسان والرفق، دين يكرم الإنسان ويحترم النفس البشرية مسلمة وغير مسلمة، ويحفظ لكل مخلوق حقوقه، ليس الإنسان فحسب بل حتى الحيوان. فمن أين يا ترى أتى هؤلاء الغلاة المتطرفون بأفكارهم العقيمة هذة؟! ومن أين استقوا فكرهم المنحرف هذا؟! وما هو مستندهم في أعمالهم الإجرامية البشعة هذة ؟! لا لا .. إن الإسلام برئٌ من هذا كله براءة الذئب من دم ابن يعقوب.هذا افتراءٌ وتطاولٌ على الدين، أو أن الفاعلين ليسوا مسلمين بل وراءهم جهات معادية للدين والوطن، ترمي من وراء هذة الأعمال إلى تفجير الوطن وتلغيم الدين، وإحراج الوطن ، والإساءة إلى الدين، جمع الوطن والدين في خانة الاتهام ودائرة الاستهداف، وتفويت الكثير من المصالح على البلاد والعباد. وأين هؤلاء من قوله صلى الله عليه وسلم : ( ألا من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقة أو انتقصه أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فإني حجيجه يوم القيامة ) وقولة صلى الله عليه وسلم أيضاً : ( من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإنَّ ريحها ليوجد مسيرة أربعين عاماً ) .