الثأر .. الجرح النازف لقلب المجتمع ❊ ثمة إصلاحات شاملة، وتفعيل دور القانون هو أساس ومعيار لنتائج هذه الإصلاحات، وقد عزز هذا التوجه في إحداث الكثير من التغييرات في الأجهزة القضائية والأمنية وهذا ما عزز ثقتنا بأن هناك إصلاحات حقيقية .. لكن ذلك لم يكن بالمستوى الذي نرجوه؛ فدور القضاء مازال قاصراً في حل قضية الثأر ومازالت القضايا في ملفاتها لم تفتح متراصة في إرشيف المحكمة وكذلك الإجراءات الرادعة لقبول الطرفين المتقاتلين لم تظهر بعد في حين تداعيات الثأر حاضرة في سلوك وحياة البعض ويظل الثأر صراعاً ممهوراً بالدم وساحة تفترش بالجثث وأرواحاً لا تعلم صعودها إلى بارئها لتطرح السؤال بأي ذنب قتلت ؟ في هذا الاستطلاع حاولنا إلقاء الضوء على ظاهرة الثأر فإلى الحصيلة.. ظاهرة لابد من معالجتها في البداية التقت «الصحيفة» /الأخ/ محمد ناصر العامري - وكيل أول محافظة البيضاء والذي قال: بداية الشكر والتقدير لصحيفة (الجمهورية) التي عودتنا دائماً على متابعة كل ما يهم أمن واستقرار المواطن اليمني .. وفيما يتعلق بسؤالكم عن الثأر .. فإن ظاهرة الثأر سيئة ولابد من معالجتها عندما تكون الأطراف مقتنعة بالحلول وكذلك توفر الإجراءات الرادعة، ونحن في قيادة المحافظة وتلبية لنداء فخامة الرئيس القائد المشير/ علي عبدالله صالح ، حفظه الله، وتوجيهه بعقد صلح عام بين الأطراف المتقاتلة فقد عملنا على تنفيذ قواعد صلح عام لأكثر من أربعين قضية ثأر، وقد التزم بها جميع من وقعوا على هذه القواعد غير بعض قضايا حصل فيها خروقات وتم اتخاذ الاجراءات وفق ما نصت عليه قواعد الصلح. هناك خطة في أجندة المحافظة للمصالحة على مستوى كل قضية وإن شاء الله - سوف تكون هناك إجراءات قادمة لمعالجة هذه القضايا ولنا أمل في تفصيل دور اللجان المشكلة لهذا الغرض مركزياً. هناك عوامل طبيعية ساهمت في تنامي هذه الظاهرة ولم يكن هناك أي تعطيل لدور القضاء، إلا أن الأغلب من أصحاب هذه القضايا لا يفضلون التقاضي أمام القضاء لظروف خاصة بهم إلا أن عدداً من هذه القضايا أمام المحاكم وقد صدر في بعضها أحكام وتم تنفيذها والبعض الآخر في طريقه إلى التنفيذ. والبعض من القضايا حسب رغبة الأطراف فيها لتحكيم عرفي ويتم التقاضي فيها وبعضها تم حكمها وسنعمل جاهدين بإذن الله لتحريك القضايا قبل إنهاء فترة الصلح العام. أحياناً قد تجد البعض من أصحاب الدم لا يقبل أن يكون هو من عنده الحل ومثل هذه الحالات تعالج بإجراءات قانونية، كذلك ظروف أصحاب القضايا المادية .. وفي هذا الجانب يجب أن تتحمل الدولة جانباً أكبر من المعالجات. تحقيق مبادئ العدالة الأخ/ تركي قاسم سعيد «طالب في معهد القضاء» تحدث بالقول: - هذه الظاهرة -الثأر- تحصد أرواح الكثير من أبناء المجتمع بعيداً عن سلطة القانون وحماية الدولة .. كما تظل ظاهرة الثأر بحاجة إلى تدخل الدولة ليتم فرض القانون وعودة الجميع إلى الاحتكام إلى نصوص الشرع والقانون في إطار تفعيل الأجهزة الأمنية والقضائية وتحقيق مبادئ العدالة ونشر التوعية التي تفضي إلى تغيير ثقافة الأفراد الذين يتمتعون بنوع من الحمية الجاهلية والعصبية وأصحاب الشخصيات التبعية في أفكارهم .. كما أن القبلية تساهم في تنامي الثأر وكما هو معروف ما ينجم عنها من مآس وويلات وثبور .. لذا فالضرورة حتمية لاستئصال ظاهرة الثأر واجتثاثها لننجو بمجتمعنا من آثارها السيئة والسلبية وهذا الأمر يتطلب تضافر جهود الجميع وتحمل أعباء مسئوليتها من كل الأطراف فالدولة هي المعنية أولاً لتطهير مجتمعنا من الثأر كما أن المواطن يعد مساهماً فعالاً في هذه القضية من حيث إنه يتوجب عليه غرس قيم التسامح والسلام في أبنائه وفي أسرته وتعليم أبنائه بوسائل الخير وارشادهم إليها بدلاً عن بذل الجهد في توفير وسائل الشر وتعليمهم وتركيزهم عليها .. بحيث ينشأ جيلاً بعيداً عن متارس الجريمة والقتل أيضاً ونبذ كل ترسبات الماضي من طائفية وعصبية ومناطقية وغيرها من مخلفات الأزمنة الغابرة.. ظاهرة خطيرة إسماعيل حسن قال أيضاً : - الثأر ظاهرة اجتماعية خطيرة تفرض تناميها في المجتمعات الأكثر تخلفاً وفي تدني مستوى الوعي لدى الأفراد .. كما أنها ناتجة عن انعدام الفهم الحقيقي لسبل العيش مع الآخرين، وغياب مبدأ الحياة الإنسانية إضافة إلى تغلب الكثير من عادات وتقاليد المجتمع العتيقة، أيضاً هناك تجاهل للقانون وغياب الوازع الديني إضافة إلى عدم التطبيق الأمثل لمواد القانون وعدم تفعليها في بعض المحاكم مع وجود تداخلات وعوامل من شأنها تعطيل ماجاء في النصوص والمواد المتضمنة في قانون العقوبات والجنايات .. هذه العوامل المتمثلة في الوساطة والمحسوبية .. واستخدام أساليب الترغيب لبعض المتنفذين هذه العوامل تشكل انحساراً أمام تطبيق القانون، أيضاً الرقابة الأمنية التي من شأنها الحفاظ على أرواح الناس تساعد في التخفيف من جرائم القتل والنزاعات، هذه الرقابة الأمنية تكاد منعدمة في بعض المناطق وهنا نقصد بالرقابة الأمنية في توزيع قوات أمن في قرى وعزل ومديريات المحافظات، وذلك بعمل منشآت أمنية في كل المناطق يتواجد فيها ضباط وعساكر معنيون ومستعدون في فصل النزاعات بحسب القانون وتطبيق ذلك فعلياً على الجميع وفرض هيبة الدولة والقانون معاً على الجميع. هيبة الدولة الأخ/ عبدالفتاح العفيفي أشار بالقول : - رغم التحولات السياسية والديمقراطية ورغم النهضة التعليمية ورغم زيادة وتنامي الوعي وكل ما طرأ على مجتمعنا من أحداث ومتغيرات أكسبته خبرات ثقافية وإنسانية .. رغم كل ذلك إلا أنه في مجتمعنا اليمني وتحديداً في بعض المناطق والذي لم تؤثر في أبنائها تغيرات الأحداث، تلك المناطق المعزولة مازالت رقاب أبنائها تحت شفرة الثأر الذي يساهم في إزهاق أرواح عشرات منهم .. وفي هذا الجانب يبقى الدور على الدولة لتضع حداً لكل مايجري ولوقف نزيف الدم المسفوح تبعاً لظاهرة الثأر .. إذ أن هذه الظاهرة خلفت وراءها آلاف الجثث تاركة في المناطق التي تم القضاء عليها وتطهير المنطقة منها وتركت اليتم والخراب والدمار والحزن الدائم الذي لا ينتهي .. في حين فقدت الأسر أغلى أبنائها أما المناطق التي مازال يعشعش فيها الثأر فإنه وإذا لم تتدخل الدولة للإسراع في حل قضايا الثأر فذلك سيكون نكالاً ووبالاً على أفراد تلك المناطق أو الأطراف المتقاتلة .. في حين سيحصدهم الثأر الواحد تلو الآخر. كما ينبغي تفعيل دور القضاء للبت في قضايا القتل وإنهاء ظاهرة الثأر. إصلاح أوضاع القضاء الأخ/ عبدالله حسن مسعد قال : - هذه الظاهرة ونتيجة للوعي وزيادة التوسع في التعليم والتقدم والرقي الثقافي الذي طرأ على مجتمعنا اليمني بدأت في التراجع والانحسار وكما نعرف اليوم هناك خطوات جادة وتوجهات ملموسة في اصلاح أوضاع القضاء وبذل جهود مكثفة من شأنها تفعيل الأجهزة الأمنية كل ذلك قد ساهم في اختفاء هذه الظاهرة في مناطق الجمهورية عدا بعض المناطق في الأرياف مازالت قضايا الثأر فيها قائمة ولكن خصوصاً إن ثمة توجهاً واهتماماً للعمل على إنهاء كل قضايا الثأر فهذا لابد سيكون استكمالاً لما تبقى من قضايا الثأر والتي سيتخلص منها المجتمع اليمني إن شاء الله وإلى الأبد. وبالتالي وبالمقابل للجهود المبذولة من قبل الدولة لابد أن تكون هناك جهود يقوم بها المجتمع ولابد أن يساهم المجتمع كطرف معني لإزالة الثأر وهذا ما تسعى إليه المنظمات التي تتبنى ظاهرة الثأر كقضية بحاجة إلى الحلول والمعالجات وكقضية خطيرة تهدد استقرار وأمن المجتمع ومن هذه المنظمات منظمة «دار السلام» التي تسعى دائماً في هذا الجانب.. أيضاً لابد من مشاركة كل الفئات الثقافية والفكرية وتوجيه طاقتنا الإعلامية ومختلف الوسائل التوعوية لهذا الغرض ولنصل إلى مجتمع خال من الثأر. دور المصلحين في اجتثاث الظاهرة فيما التقينا الأخ/ محمد عبدالقادر القاضي - مدير مكتب الإعلام بمحافظة البيضاء والذي قال : - الثأر ظاهرة خطيرة وسيئة منافية لتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف ومنافية لقيمنا وأخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا اليمنية .. الثأر اكتوت بنيرانه قلوب كثير من أفراد المجتمع رجالاً ونساء- وأطفالاً وأثر سلباً في حياة كل أفراد الأسرة والمجتمع .. ونحن في محافظة البيضاء مثل بقية محافظات الجمهورية عانت بعض مديريات المحافظة الكثير من ويلات هذه الظاهرة الخبيثة التي أكلت الأخضر واليابس وأحرقت كثيراً من النساء .. ويتمت الأطفال وشردت أسراً بكاملها، بهذه الظاهرة يخسر الإنسان كل شيء ويدفع الثمن باهظاً وبهذه الظاهرة يعيش الإنسان خائفاً لاينعم بالأمان والاستقرار، إن الصلح الذي دعا إليه فخامة الرئيس/ علي عبدالله صالح، والذي دعا جميع قبائل اليمن للصلح لمدة خمسة أعوام ودعا إلى حل الخلافات بين القبائل وعلى أن تتولى الدولة والرجال المصلحون التدخل لحل الخلافات وعلى الدولة تحمل أي أعباء مالية لحل المشاكل، وكان لهذه الدعوة أثراً بالغاً في حل بعض الخلافات، ففي محافظة البيضاء بذلت قيادة المحافظة والرجال المخلصون جهوداً كبيرة وجبارة في حل كثير من الخلافات بين القبائل وإنهاء الثأر بينها. - بهذا ندعم الخيرين لمواصلة هذا العمل الجليل وبذل أقصى الجهود لتسخير كل الامكانات المتاحة لمتابعة انهاء كل الخلافات القائمة بين القبائل والتي أدت إلى ظهور هذه الظاهرة الخبيثة .. كما ندعو الرجال والعقال والمشائخ والأعيان وكل الخيرين من أبناء القبائل اليمنية في كل محافظات الجمهورية وخاصة الذين مازالت هذه الظاهرة جاثمة عليهم ندعوهم جميعاً إلى أن يتقوا الله ويرجعوا إلى تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وأن يعملوا على المساعدة في الحلول للخلافات القائمة لإنهاء كل المشاكل ويبادروا في تقديم التنازلات حتى يعيشوا آمنين مطمئنين محافظين على أرواحهم وأرواح أبنائهم. وأخيراً أوجه الدعوة إلى الشباب الواعي المتعلم من أبناء القبائل وأقول لهم أين دوركم ؟ فأنتم الشباب الذين يعول عليهم الجميع لبناء الوطن وتقدمه وإزدهاره .. أنتم عليكم نشر التوعية بين أفراد مجتمعكم وتعريفهم بالمخاطر الكبيرة التي تنجم عن تفشي وباء هذه الظاهرة الخطيرة وعليكم بذل الجهود في إنهاء كل الخلافات التي تؤدي إلى ظاهرة الثأر. من المحرر ونخلص بالقول هنا إلى أنه مازالت هناك تداعيات لنشوء وبقاء ظاهرة الثأر في مجتمعنا من أولى هذه التداعيات والتي تكون في غالب الأحيان محفزاً لتورط الكثيرين في الشروع في القتل وارتكاب الجريمة والتي تأتي بعدها كوارث لا تحمد عقباها وهي سقوط عدد أكبر من الضحايا تحت طائل ما يسمى بالثأر هذه التداعيات المشجعة كما قلت حمل السلاح والذي يعد في بعض المناطق عادة متأصلة وجزءاً لا يتجزأ من كمال مظاهر الرجولة .. أيضاً الأمية المتفشية في بعض المناطق الريفية كذلك البطالة والفراغ اللذان يذهبان بالكثيرين إلى حافة الهاوية وذلك من خلال مشاكل ونزاعات قد تؤدي إلى مسرح الجريمة لتصل إلى القتل والدمار والهلاك .. إضافة إلى عدم انسجام الحالة المعيشية وهو مايولد ويخلق أزمات اقتصادية يفقد الكثيرين من الأفراد توازنهم مما يؤدي إلى بشاعة تفكيرهم الذي يدفعهم إلى ارتكاب الجريمة .. كذلك تدني الجانب الثقافي لدرجة الصفر لدى بعض الأفراد وهو ما يخلق التصحر الإنساني والحضاري في نفسية الفرد ويجعله في حالة معقدة وعلى استعداد لعمل أي شيء بشع ومنكر .. بالإضافة إلى التفاخر والتباهي وعدم الخضوع للقوانين والتعالي على الجميع .. والضعف في فهم الأمور الدينية والجهل بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف. - وهناك غياب الرؤية وانعدام الفهم تماماً لدرجة لا تستطيع التمييز بينه وحيوان الغابة المتوحش فهناك مازال من يعيش في بيئة معتمة وظلام يخيم في نفوس أفرادها لفقدهم التعليم وبالتالي فإنهم يعيشون في سباق دائم في دائرة حمراء .. كل واحد يسعى للفتك بالآخر ويظل صراعاً ممهوراً بالدم وساحة تفترش بالجثث وأرواحاً تذهب إلى بارئها في أغلب الأحيان بلاذنب قتلت. هكذا يظل الثأر بحراً من الدماء ومستنقعاً للجهل والتخلف .. كما أنه سرطان يغور في جسد المجتمع ليصبح جرحاً نازفاً يطال الكثيرين من أبناء المجتمع ليكونوا ضحايا بلامبرر .. وفي هذا الإطار فإننا نناشد الدولة في تكثيف الجهود الرامية إلى وقف هذه الظاهرة لتجنيب المجتمع ويلاتها ومآسيها واتخاذ الاجراءات الرادعة وفرض القانون .. وعمل كل ما من شأنه القضاء المبرم على هذه الظاهرة .. وذلك من خلال الوسائل التوعوية أو الأمنية أو الاقتصادية، فالدولة هي المعول عليها في القضاء على الظاهرة وعمل كل ما يشعر الناس بالأمن والاستقرار، وسيادة القانون على الجميع. وكون هذه الظاهرة تعتبر من أبرز المشاكل الرئيسة التي عانت منها كثير من المجتمعات ومازالت تمثل إحدى المعوقات السياسية والاقتصادية والتنموية خصوصاً في مجتمعات البلدان النامية إذ أنها تعد زعزعة للأمن والاستقرار وتنبت الحقد ليكون الحصاد هو الموت وهكذا فإن الثأر ظاهرة ملتهبة عنوانها الموت.