ليس بإمكان معظم اليمنيين اليوم حتى أن يتخيلوا كيف كان عليه الحال في البلاد قبل أربعة عقود من الزمان، ذلك أن نسبة قليلة منهم فقط، وفقاً للتركيب العمري الحالي للسكان، عايشوا الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتردية التي سيطرت على البلاد قبل ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م. وعلى الرغم من ذلك لايزال الكثيرون ممن عاشوا تلك الأوضاع يتحدثون بمرارة عن سنوات البؤس والشقاء والحرمان التي اكتوى بنيرانها أبناء الشعب اليمني في ظل نظام استبدادي جعلهم ضحايا لظلم الحاكم، ولثالوث الفقر والجهل والمرض. وطبقاً لجميع المؤشرات فقد كانت المقارنة بين حال اليمن وحال البلاد الأخرى تقذف باليمن بعيداً في أزمنة التاريخ الأولى إلى "ظلام العصور الوسطى" على حد قول الطبيبة الفرنسية «كلودي فايان» التي وصلت إلى صنعاء في منتصف القرن الماضي. يقول الكاتب والصحافي البريطاني/أدجار اوبالانس: "باستثناء الأسلحة النارية وبعض من سيارات النقل والعربات القديمة لا يبدو أنه كانت هناك ثمة تغيرات لقرون خلت". تلك الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المؤلمة والمتخلفة ولدّت لدى اليمنيين حافزاً قوياً في التغيير والانطلاق نحو المستقبل ومسايرة ركب الحضارة الإنسانية لبناء اليمن الحديث. ويؤكد السيد اوبالانس الذي زار اليمن للمرة الأولى في 1948 "إذا ما كان هناك بلد مهيأ لثورة وتغيير سياسي أكثر من غيره فهو اليمن بلا جدال". ولذا فقد جاءت ثورة ال26من سبتمبر المجيدة كضرورة وطنية وإنسانية حتمية وملحة لانتشال الشعب اليمني من واقع الجهل والتخلف ورفع مستوى الشعب سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً. وبقيام الثورة ولجت اليمن مرحلة جديدة شهدت خلالها العديد من التحولات والانجازات في مختلف مجالات الحياة، وحرصت الدولة منذ اليوم الأول للثورة أن تحدث تغييرات جوهرية في بنية الاقتصاد المتردي الذي ورثته عن العهد الإمامي المرتهن إلى نمط أحادي النشاط اختزل في الزراعة وتسيدت فيه الوسائل البدائية والتقليدية سنام هذا القطاع طلية العهد البائد، وفتح انتصار الثورة مجالات واسعة لاستغلال الموارد والثراوات الطبيعية المعدنية والزراعية والسمكية وتسخيرها لخير الشعب وتقدم الوطن. الثروات النفطية والمعدنية على الرغم من المعضلات التي واجهتها الثورة اليمنية منذ انطلاقتها في عام 1962م، فقد تمكنت خلال سبعينات القرن الماضي من التعاقد مع شركات نفطية عالمية عدة، للتنقيب عن النفط في مناطق مختلفة من البلاد، لتكون بذلك البداية الحقيقية لاستكشاف ثروات اليمن الطبيعية التي توجت بإعلان شركة هنت الأمريكية اكتشاف النفط في حوض مأرب/الجوف بكميات تجارية، إضافة إلى اكتشاف آخر في غرب عياد بشبوة من قبل شركة (تكنو اكسبورت) الروسية، وأصبح يوم 8 يوليو 1984م يوماً مشهوداً في تاريخ اليمن الحديث، وهو اليوم الذي دشن فيه فخامة الرئيس/علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية إنتاج النفط في اليمن من حوض مأرب/الجوف، لتتواصل بعد ذلك جهود اكتشافات النفط والغاز والمعادن في بقاع كثيرة من البلاد. ولم يحدث التطور الأبرز في استكشاف وإنتاج النفط والغاز، إلا بقيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو1990م، حيث تسابقت شركات النفط العالمية، للفوز بالامتيازات النفطية المتاحة في طول وعرض البلاد، وشهدت الفترة بين أكتوبر 1990 وإبريل 1993، إبرام اتفاقيات مشاركة في الإنتاج مع أكثر من ست عشرة شركة نفطية للعمل والاستثمار في /22/ قطاعاً في مناطق اليابسة والمغمورة. وقد بلغ عدد شركات النفط العاملة في البلاد مع نهاية العام الماضي 22 شركة من مختلف الجنسيات ، منها (9) شركات تعمل في (11) قطاعاً إنتاجياً، والباقي تعمل في (28) قطاعاً استكشافياً، فيما لايزال (50) قطاعاً نفطياً مفتوحاً للاستثمار أمام شركات النفط العالمية، وارتفع إنتاج النفط من أكثر من (69) مليون برميل في العام الأول للوحدة، إلى ما يربو على /146/ مليون برميل في العام الماضي. وشهد تصدير النفط الخام هو الآخر نمواً ملحوظاً، حيث ارتفعت حصة الحكومة من صادرات النفط الخام من قرابة (27) مليون برميل عام 1990 إلى 36 مليون و926 ألفاً و250 برميلاً، وزادت عائداته النقدية من قرابة (398) مليون دولار إلى نحو /1/ مليار و477 مليوناً و500 ألف دولار، ويتراوح إنتاج اليمن من النفط حالياً بين 380 ألف برميل و400 ألف برميل يومياً.. وأعلنت وزارة النفط والمعادن مؤخراً إعادة تقسيم الخارطة النفطية لترتفع بموجبها قطاعاتها النفطية إلى 104 قطاعات نفطية مقارنة ب 87 قطاعاً نفطياً في 2006م، كما أعلنت فتح باب المنافسة للشركات العالمية لعشرة قطاعات نفطية بحرية.. ويسهم النفط ومشتقاته بما نسبته 16 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة تكاد تكون ثابتة.. ويمثل النفط ومشتقاته ما نسبته 94.3 بالمائة في حجم التجارة الخارجية لليمن عام 2001 مقارنة بما نسبته 96.5 بالمائة عام 2000م.. وبحسب البنك المركزي اليمني، فإن إجمالي إيرادات النفط والغاز في مالية الحكومة تطورت من حوالي 310 مليارات عام 1993 لتصل إلى حوالي 1ر403 مليار ريال عام 2001م، ويقدر حجم الاحتياطي النفطي في اليمن ب(5.7) مليار برميل، في حين كشفت أعمال التنقيب عن احتياطي كبير من الغاز الطبيعي قدرت ب 16.9 تريليون قدم مكعب؛ ما استدعى الحكومة التوجه لتبني سياسات وخطط لاستغلال هذه الطاقة النظيفة، إضافة إلى تنفيذ مشاريع حيوية لتلبية الاحتياجات المحلية المتنامية من الغاز البترولي المسال.. وترافق التطور في استهلاك الغاز، مع زيادة في المشاريع الاستثمارية في مجالات النقل ومحطات التعبئة، إضافة إلى مشاريع استخدامات الغاز كوقود في المصانع الخفيفة والسيارات، فضلاً عن إنشاء الشركة اليمنية للغاز المسال العام 1996، بهدف تصدير الغاز اليمني للخارج، وهو المشروع المشترك (بنسب متفاوتة) بين اليمن وعدد من شركات النفط العالمية التي تقودها توتال الفرنسية. وفيما يتعلق بالمعادن، فقد كشفت أعمال التنقيب خلال السنوات الماضية، في مناطق مختلفة من اليمن، العديد من الظواهر لتمعدنات الذهب، النحاس، الفضة، الزنك، الرصاص، الحديد وبعض العناصر الأرضية النادرة، فضلاً عن العديد من خامات المعادن والصخور الصناعية وبكميات كبيرة ونوعيات جيدة، من أهمها الملح الصخري، الحجر الجيري، الدولوميت، الترافرتين، الرخام، الجبس، الكاؤولين، معادن طينية أخرى، رمال السيليكا والكوارتز والخبث البركاني (الاسكوريا) والحجر الخفاف (البيوميس) والزجاج البركاني (البرليت والاسبيديان) والجرانيت والنايس والفلسبار والتلك (حجر الصابون) ومعادن الزيوليت والفلورايت والجابرو والتف والبازلت.. ومؤخراً، تم تدشين مشروع استغلال وتطوير الحجر الجيري من منطقة الراحة بمديرية الملاح في لحج من قبل شركة هندية. الزراعة يعتبر قطاع الزراعة من أبرز القطاعات الإنتاجية في اليمن، حيث يسهم بحوالي 17.6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، كما أن حوالي 74 بالمائة من سكان الريف يعتمدون في معيشتهم عليه أو على الأنشطة الأخرى المرتبطة به والتي تشغل أكثر من 54 بالمائة من القوى العاملة في البلاد.. ونظراً لأهمية هذا القطاع فقد أولته الحكومة خلال الأعوام الماضية اهتماماً بالغاً لزيادة وتوسيع المساحات المزروعة وزيادة الإنتاجية عن طريق التوسع في الأبحاث والإرشاد والخدمات البيطرية والتسليف الزراعي وتوفير مستلزمات الإنتاج واستخدام الأصناف عالية الإنتاجية من البذور المحسنة وكذا إدخال الأساليب الحديثة في عمليات الإنتاج وإدخال وسائل وتقنيات الري الحديث والتوسع في إنشاء السدود والحواجز المائية؛ إضافة إلى تقديم جملة من المزايا والتسهيلات للقطاع الخاص لتشجيعه على الاستثمار في هذا المجال.. ونتيجة لذلك ارتفعت المساحة المزروعة من 975000 هكتار في عام 1970م إلى 1.400.000 هكتار عام 2006م.. في حين زادت المساحات المزروعة بالفواكه خلال نفس الفترة بحوالي الضعف ليرتفع إنتاجها من 105000 طن عام 1970م إلى 861 ألفاً و984 طناً، وارتفعت إنتاجية الخضروات من 74 ألف طن إلى 905 آلاف طن، فيما ارتفعت إنتاجية المحاصيل النقدية (البن، السمسم، القطن، التبغ) من حوالي 33 ألف طن عام 77م إلى 229 ألف طن. أما بالنسبة للحبوب وعلى الرغم من ان إنتاجيتها لم تشهد نمواً مضطرداً فقد ارتفعت المساحة المزروعة بالحبوب من 639 ألفاً و806 هكتارات عام 1991م إلى 756 ألفاً و961 هكتاراً عام 2006م، وارتفعت إنتاجيتها خلال نفس الفترة من 447 ألفاً و470 طناً إلى 726 ألفاً و927 طناً. وانعكاساً لهذا التطور الإنتاجي فقد تركز اهتمام الحكومة خلال الفترة الماضية على تطوير النشاط التسويقي والتصديري، حيث تم في هذا الصدد إنشاء ست وحدات لجمع ونشر المعلومات التسويقية الزراعية في عدد من المحافظات وإنشاء مركز لإعداد الصادرات في محافظة الحديدة وإنشاء ثلاثة أسواق لبيع الخضروات والفواكه بالجملة في محافظات "مأرب وحضرموت وصعدة" وكذا إنشاء سوق تجميعي للخضروات والفواكه في منطقة الحسينية، وإعادة تأهيل وتشغيل سوق القرنعة، والمساهمة في تمويل مركز العريش للصادرات الزراعية والسمكية ومجمع باجل التسويقي التعاوني.. وتقدر تكلفة تلك المشاريع بأكثر من 479 مليون ريال.. وعمدت الدولة أيضاً إلى اعتماد استراتيجية عامة بهدف الحفاظ على الثروة المائية والحد من استنزافها وذلك من خلال إدخال وسائل وتقنيات الري الحديثة، والتوسع في إنشاء السدود والحواجز المائية والكرفانات. الثروة السمكية يعتبر قطاع الثروة السمكية من أبرز القطاعات الواعدة في اليمن باعتباره عنصراً أساسياً في استراتيجية الأمن الغذائي.. ولذلك أولت الدولة هذا القطاع أهمية بالغة خلال الأعوام الماضية من خلال تشجيع وزيادة الاستثمار فيه وخاصة بنهاية عقد السبعينيات، حيث جرى في هذا الشأن إنجاز جملة من المشاريع من أبرزها مشروع الأسماك الأول خلال الفترة من 74-1978م وبتكلفة إجمالية وصلت إلى 6.174 مليون دولار، ومشروع الأسماك الثاني خلال الفترة من 81-1984م بتكلفة 48.5 مليون دولار. وحتى نهاية عام 1988م تم إنجاز العديد من المشاريع من أبرزها مشروع الأسماك الثالث ومشروع مركز أبحاث علوم البحار ومشروع تطوير الاصطياد التقليدي في البحر الأحمر ومشروع تنمية الأحياء البحرية وبتكلفة تزيد عن 163 مليون دولار.. وعقب قيام الوحدة المباركة في ال 22 من مايو1990م واتساع الرقعة الجغرافية للدولة الجديدة، سعت الحكومة نحو استغلال هذه الثروة الوطنية بشكل أمثل من خلال اتخاذ العديد من الإجراءات المتعلقة بتنظيم حركة الاصطياد والإنتاج السمكي وتطوير المؤسسات العاملة في القطاع السمكي واستكمال البنية الأساسية وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا القطاع وتطوير صناعة المنتجات السمكية لتلبية احتياجات السوق المحلية وزيادة الصادرات.. كما تسارعت في نفس الوقت وتيرة تنفيذ المشاريع السمكية، حيث جرى خلال الفترة من 90- 2001م تنفيذ عدد من المشاريع من أبرزها مشروع الأسماك الرابع البالغة تكلفته 39.5 مليون دولار، والهادف إلى زيادة كمية الأسماك المصطادة من خلال تحسين طرق الاصطياد ودعم مراكز الأبحاث السمكية وحماية البيئة البحرية وبناء التسهيلات الساحلية للصيادين. ويتكون المشروع الذي تم الانتهاء منه عام 2001م من سبع وحدات للصيادين في حضرموت والمهرة ومصانع للثلج والماء والتبريد والكهرباء والخدمات الأساسية الأخرى.. وتبلغ التكلفة الإجمالية للمشاريع التي تم تنفيذها في هذا القطاع خلال الفترة من 78 - 2001م أكثر من 262.8 مليون دولار. وتستند الثروة البحرية في اليمن إلى مقومات طبيعية وبشرية تتمثل في شريط ساحلي يزيد طوله عن ألفين وخمسمائة كيلومتر، ولليمن عدد كبير من الجزر المنتشرة على البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن، وتنتشر قرى وتجمعات الصيادين على طول الشواطئ والجزر اليمنية، ويبلغ عدد القرى والتجمعات السمكية الرئيسية ومراكز الإنزال المنتشرة على طول الشواطئ والجزر اليمنية أكثر من 90 قرية ومجمعاً سمكياً منها 40 موقعاً على شواطئ البحر الأحمر و50 موقعاً على خليج عدن وبحر العرب.. وتفيد نتائج الدراسات العلمية والبحوث والمسوحات التي أجريت على المياه الإقليمية اليمنية أن اليمن يمتلك مخزوناً من الثروة السمكية والأحياء البحرية تتراوح كميته بين /400/ ألف طن و/850/ألف طن سنوياً بالإضافة إلى أكثر من /450/نوعاً مختلفاً من الأسماك. وحسب التقارير الرسمية فقد ارتفعت الصادرات السمكية اليمنية من 27 مليون دولار عام 1990 إلى 259 مليون دولار عام 2006م، وحقق الإنتاج السمكي في 2006 معدل نمو متوسط بلغ 3 ر20 بالمائة وبزيادة عما استهدفته الخطة الخمسية الثانية للتنمية 2001م -2005م بنحو 41 ألفاً و548 طناً بنسبة زيادة قدرها 17 بالمائة، فيما ارتفع عدد الصيادين العاملين من 24 ألف صياد عام 1990 إلى 65 ألف عام 2006م. وقد أسهمت الإصلاحات الاقتصادية الشاملة والالتزام الحكومي القوي بشأن دور مستقبلي فعال للقطاع السمكي في زيادة طلبات الاستثمار المؤكدة في القطاع السمكي خلال الفترة من 1992 إلى 2006م، حيث بلغ عدد المشاريع الاستثمارية المرخص لها في هذا القطاع 145 مشروعاً بتكلفة استثمارية تتجاوز 30 مليار ريال وبموجودات ثابتة 1ر17مليار ريال.. توفر ما يقارب سبعة آلاف فرصة عمل للعمالة اليمنية. كما أن سياسة الانفتاح ودخول القطاع الخاص كشريك مهم في القطاع السمكي، أدى إلى تنامي حصة الصادرات السمكية خلال ال16 عاماً المنصرمة، في حين يتوقع ان تصل عائدات الصادرات اليمنية بنهاية العام الجاري إلى حوالي 300 مليون دولار.