حين تتحول الجامعة من مكان يرتاده طالب العلم لاكتساب معارف جديدة..الى مأوى شبيه بصالات الغناء والرقص..فذلك يعني مؤشراً خطأ ينذر بكارثة حقيقية ستطال أكبر مؤسسة تعليمية في البلد.. وستمتد آثارها الى مخرجات الجامعة السنوية،من طالب لم يحدث فيه أدنى تغيير عن ما قبل دخوله وخروجه بعد قضاء أربع سنوات من المجيء والذهاب إلى الجامعة..وبعد التلقين المضني من أساتذته في الجامعة..ليخرج أسوأ من ذي قبل..وكأن الجامعة ليس دورها التغيير وانما تكريس اللامبالاة و اللاتفاعل في حس الطالب الجامعي..ليغدو الطالب آلة مسيرة بإمكان الجميع التحكم في مصيره المستقبلي دون أن يبدي أدنى اعتراض أو مناقشة لما يجري. جامعة صنعاء..باعتبارها..وأكبر وأعرق جامعة يمنية..لا تبتعد كثيراً عن حال الجامعات الأخرى.. فحين تلج بوابتها لا يشعرك ذلك بأدنى إحساس بالتغيير..كون ما حولك لم يتغير عن الشارع..الشارع الذي يكتض بالمتناقضات..ولا يحتكم لأية أخلاقيات..سوى أخلاقيات الشارع نفسه..مازالت الأصوات"أصوات الناس" تتداخل مع أصوات السيارات..صخب الأغاني مازال آتياً من سيارة تهم بالدخول وأخرى تصول في وسط الخط الذي يتوسط الجامعة..انذارات العربات تعلو دون ابداء أدنى اعتبار لمن يقعد الآن في قاعات الدرس. الصخب/الضجيج/الفوضى..كل ذلك يحضر كل صباح..مع مجيء الطلاب. في الجامعة تسمع الكثير من المفردات البذيئة..ترى تصرفات لا أخلاقية كثيرة..وترى شاخصي الوجوه.."يتخافسون" فيما بينهم..ويمضون للانخراط في ذلك تأكيداً على صوابية ما يرونه!! حين تلج جامعة صنعاء يشدك من أول وهلة منظر الطالب بزيه الشعبي يتجه صوب كليته..ومن ثم يلج قاعة المحاضرات بزي رث..تظهر عليه بقع صفراء فاقعة لونها!!..غير آبه لأي شيء يمضي قدماً وسط لفيف وأشتات من الطلاب..من الضيوف..من الزوار..يقش الصفوف،و" واثق الخطوة يمشي ملكاً".!! الجامعة كمكان مقدس تبدو فاقدة للاهلية في تغيير ما يحمله هؤلاء من تناقضات..من أفكار نبتت بفعل العادات والتقاليد..من تصرفات يطغى عليها طابع التأثر بما هو "شوارعي" فضائي"!!.. يقتحم الطالب سور الجامعة كما لو أنه ذاهب في رحلة استجمام..وتنزه..يأتي ليمتع ناظريه.. فقط..ومن ثم يلم شتات حاجياته ويمضي صوب الخارج لدنو موعد الغداء.. ما الذي أضافه اليوم الى معارفه في حقيقة الأمر هو لا يدرك لماذا يأتي؟.. ولكنه ملزم أمام أهله بإن يستيقظ مبكراً ومن ثم يعود في ظهيرة كل يوم..عدا ذلك لا يهم البته!! مانراه في الجامعة مؤشراً خطأ..لإن ما تعودنا سماعه أن الجامعة تغير المفاهيم..وتعيد بلورة الطالب من جديد..لتؤسس فيه الحس النقدي المعرفي..وتجعله يصيغ مستقبله منذ لحظة انضمامه الى كشوفات الطالب الجامعي. الأمر يبدو مغايراً.. لإن السيناريو أصبح مختلفاً هذه المرة..فالجامعة تقلص دورها في تلقين الطالب مقررات صيغت منذ عقود..وما على الطالب سوى أن يأتي ليستمع..دون أن يبدي أدنى اعتراض..أو حتى يناقش ما يتم سرده أمامه من أشياء قد لا يفهمها..أوقد يكون له فهم مغاير لها.. وهنا تكون الجامعة قد أحجم دورها في تعبية الطالب مقررات دراسية قديمة العهد.. وهو يجلس"لا حول له ولا قوة". ثمة أمور يجب على الجامعة أن تقوم بها تجاه الطالب الجامعي..يأتي في مقدمتها اشراكه في صنع العملية التعليمية في الجامعة..حتى يشعر أنه شريك في بلورة ما يتعلمه..وليس متلقياً سلبياً هو يشعر بذلك في قرارة نفسه.. والجامعة يجب أن تضطلع بدورها التنويري ذاك. على الطالب في المقابل أن يدرك حين يلج الجامعة أنه يلج مكاناً يجب تقديسه.. ليترك كل أشيائه الشوارعية في الخارج..ويدخل!!..مفردات الشارع..سوقيته..طريقة مشيه في الشارع..علو صوته..ضجيجه..سيارته..ويدخل..متجرداً الا من نفسه..حينها سيكون بمقدوره التعلم..والمشاركة.