علم الحيل «الميكانيكا» إن هذا التعبير، المستخدم في العصور القديمة، يشمل عدداً كبيراً من آليات وماكنات التركيب الدقيق والمتقن بوجه خاص، وقد كانت هذه الآلات والماكنات معدة لأغراض عديدة كالألعاب والأجهزة الآلية والساعات المائية والنوافير والآلات الفلكية، وكان عدد منها مخصصاً للتسلية والمتعة، وعدد ثان لتحديد الساعة، وآخر لمتطلبات البحث العلمي، وكانت هذه الآليات المتنوعة جميعها على درجة عالية من التخصص التقني الضروري لصناعته، وتتطلب استخدام آليات محكمة وأنظمة تحكم عالية الدقة، وكانت هناك سمة مميزة للكثير من هذه الأنظمة تمثلت في محاكاتها لظواهر بيولوجية وسماوية، ويمكن تفسير هذا الأمر كحاجة ملحة لتقديم تمثيل ميكانيكي لظواهر فيزيائية. إلا أنه من الخطأ الاعتقاد بأن جميع هذه الأجهزة الآلية المصنوعة بهذا الشكل كان ينبغي عليها، وبالضرورة، أن تحل رؤية عن العالم الذي يتصوره الإنسان فالكثير منها لم يكن سوى أدوات بسيطة للهو، وألعاب شديدة البراعة. آلات رفع المياه استخدم العرب علم الميكانيكا بالإضافة إلى ما كان موجوداً من آلات رفع المياه من التراث المصري واليوناني القديم في صناعة السواقي المائية المتكونة من عدة قواديس ويتم تحريكها بمساعدة عجلتين مسننتين وذلك بواسطة حيوانات مدربة.. لن نتعرض التفاصيل وسنركز على التقنية العالية المستخدمة في المضخات المائية والتي برع فيها الجزري ويصفها في كتابه، وهي مضخة مائية مؤلفة من اسطوانتين تعملان بواسطة عجلة تغديف مركبتين على محور أفقي فوق مجرى الماء ومن عجلة مسننة مثبتة على الطرف الآخر من المحور وينشبك هذا المحور مع عجلة مسننة أفقية موضوعة في تركيب خشبي مثلث الشكل والتركيب، هذا مثبت فوق حوض يغذيه جدول وعلى الجانب العلوي من العجلة المسننة الأفقية توجد عصا تقود ذراعاً مثبتة في زاوية من التركيب أما محور الاسطوانتين فهما مرتبطان من كل جانب من الذراع بمشابك وحلقات وفي طرف كل محور يوجد مكبس يتضمن قرصين نحاسيين متباعدين بمسافة قيمتها حوالي 6سم والفراغ بين القرصين مملوء بحبل من قنب مفتول والاسطوانتان النحاسيتان مزودتان كل منهما بأنبوبين احدهما للإدخال والآخر للصرف وكل أنبوب مجهز بصمام لا رجعي ويتصل أنبوبا الصرف معاً ليشكلا أنبوبا واحداً يدفع الماء إلى ارتفاع يبلغ حوالي 14متراً فوق الجدول. ويتم العمل على الشكل التالي: عندما تدور عجلة التغديف فإنها تجبر العجلة المسننة العمودية على الدوران حول محورها والمحور بدوره يدير العجلة المسننة الأفقية الموجودة في التركيب وتفرض العصا على الذراع حركة تذبذبية من جهة إلى أخرى «من اسطوانة إلى أخرى» وعندما يقوم أحد المكبسين بالصرف، فإن الآخر يقوم بالإدخال إن الركن الأساسي في هذه الآلة هو مبدأ الفعل المزدوج، وتحويل الحركة الدورانية إلى حركة متناوبة، واستخدام أنابيب إدخال حقيقية. وقد تم صنع نموذج بقياس يساوي ربع قياس الآلة الأصلية بمناسبة المهرجان العالمي للإسلام في العام 1976م وهو مخصص لمتحف العلوم في لندن ولديه التركيبة نفسها للآلة التي وصفها الجزري باستثناء أن تشغيلها يتم بالطاقة الكهربائية وقد سارت المضخة النموذج على الوجه الأكمل، مع نقل للحركة بليونة، ومع صرف منتظم للماء في أنابيب الخروج. إلا أن النظام لأكثر إثارة للاهتمام هو مضخة أحادية الكتلة بست أسطوانات، والأسطوانات هذه محفورة على خط واحد في كتلة خشبية مغمورة في الماء، وكل أسطوانة منها مجهزة بصمام لا رجعي لاستقبال الماء فيها عند طور الإدخال أما أنابيب الصرف فهي أيضاً مزودة بصمامات لا رجعية، وكل واحد منها يمتد خارج الأسطوانة، وتلتقي جميعها في أنبوب صرف واحد رئيس. وعند طرف كل مكبس توجد ثقالة ورافعة موصولة تحت الثقالة تماماً بواسطة مسمار وصلة، وعلى محوراً لعجلة المسننة توجد كامات تعمل على إنزال الرافعات الواحدة تلو الأخرى، مما يؤدي إلى رفع المكابيس من أجل الإدخال، وعندما تتحرر الرافعة من الكامة، تنزل الثقالة المكبس من أجل الصرف. وفي تصميم تقي الدين لمضخته المكبسية ذات الأسطوانات الست نجده يضع ثقلاً من الرصاص على رأس قضيب كل مكبس يزيد وزنه عن وزن عمود الماء الموجود داخل الأنبوب الصاعد إلى أعلى، وهو بهذا يسبق «مورلاند5» الذي قام في عام 1675م بتصميم مضخة وضع فيها أقراصاً من الرصاص فوق المكبس حتى يعود المكبس إلى الهبوط ويدفع الماء بتأثير الرصاص إلى العلو المطلوب.