لقد امتاز العرب بمهارة فائقة في اختراع ساعات الشمس، وأعطوها شكلاً دائرياً يتوسطه محور ظاهر، وتمكنوا بواسطتها من تحديد موضع الشمس في كل حين ومن تحديد الوقت وصنع التقاويم الزمنية، وكانت الساعة الشمسية النقالة الاسطوانية أكثر اختراعاتهم أصالة وفناً في هذا الحقل. وكانت الساعات على أنواع منها الرملية والمائية ومنها ماتسمى الدورية وهي معمولة بالدواليب يدير بعضها بعضا، وصار للساعات علم خاص يعني بها على اختلاف أنواعها، وكيفية اتخاذ آلات يقدر بها الزمن، وغاية معرفة أوقات الصلوات من غير ملاحظة حركات الكواكب. وتفتحت آفاق أمام العرب فصنعوا الساعات التي تسير على الماء وعلى الزئبق وعلى الشمع المشتعل أو التي تعمل بواسطة الأثقال المختلفة فكان أن وجدوا الساعات الشمسية الدقاقة التي كانت تعلن ساعة الغداء بصوت رنان، والساعات الشمسية المائية التي كانت تقذف كل ساعة كرة في قدح معدني وتدور حول محور تظهر فيه النجوم ورسومات من عالم الحيوان، أو ساعات تحمل فتحات منسقة الواحدة تلو الأخرى في شكل نصف دائري، وماتلبث أن تبرق كلمة تجاوزت الساعة الثانية عشرة ليلاً في حين يمر خلالها هلال وضاء. وقد كان هارون الرشيد قد أهدى شارلمان ساعة مائية، مصنوعة من الجلد والنحاس الدمشقي، في كل ساعة، كان فرسان من معدن يفتحون الباب، ويتركون العدد المناسب من الطابات يتساقط فوق صنج ثم ينسحبون. وقد علق مؤرخ القصر في مذكراته «كانت الساعة من النحاس الأصفر مصنوعة بمهارة فنية مدهشة، وكانت تقيس مدة اثنتي عشر ساعة وفي حين إتمامها لذلك، كانت تسقط إلى الأسفل اثنتي عشرة كرة صغيرة، محدثة لدى اصطدامها برقاص معدني مثبت، دوياً إيقاعياً جميلاً بالإضافة إلى عدد مماثل من الأفراس الصغيرة التي كلما دارت الساعة دورتها الكاملة قفزت من فتحة اثنتي عشر بوابه وأغلقتها بقواتها هذه. وهناك أشياء أخرى كثيرة تستدعي الانتباه في هذه الساعة تدعو إلى العجب والدهشة وليس ثمة مجال لعدها، إذ أن ذلك قد يقودنا إلى تفاصيل كثيرة». ونجد بمخطوط الجزري المشار إليه أيضاً بعض أمثلة الساعات ذات الصفير، أي منبهات من بينها واحدة عبارة عن «زورق لطيف يعلم منه مضي ساعة مستوية، عليه ملاح واقف يستند على مجداف ملصق بأرض الزورق، ويمسك باليد الأخرى منها صفارة يضع طرفها في فيه، والملاح يرتدي قميصاً من النحاس قصير الذيل وله رجلان ملتصقان بذيل القميص، وقدماه مثبتتان داخل الزورق، ورأسه مجوف خفيف يكسوه غطاء مزود ببعض الثقوب الدقيقة، وفي قبته أنبوب قصير في طرفه بندقة الصفير، أما الأكمام وياقة العنق فمسدودة سداً محكماً، على حين يشغل ثقب تثبيت الملاح والمجداف في أرضية الزورق خرزة ذات خرم ضيق بشكل يسمح بمرور قدر من الماء يكفي لملء الزورق في غضون ساعة يغرق الزورق بعدها وأثناء دخول الماء إلى الزورق من خلال ثقب الخرزة يصل بعد ساعة إلى ذيل قميص الملاح دافعاً الهواء إلى أعلى، ونظراً لعدم وجود أي منفذ للهواء الموجود في تجويف القميص، فإنه يندفع عند غوص الزورق في عنق رأس الملاح إلى بندقة الصفير فيصفر صفيراً يستيقظ به النائم.