الواقع أن الحديث والبحث عن الأسباب الكامنة خلف الأزمة التي يعاني منها الواقع العربي المعاصر يقودنا إلى التعرف واستقراء مشكلات واقعنا الثقافي وإشكالات التناقض التاريخي الحاد بين المثقف والمؤسسة السائدة أكانت مؤسسة السلطة أو غيرها من المؤسسات الاجتماعية بما في ذلك مشاكل حرية التعبير وعزوف الكتابة عن قضايا جماهير الشعب العريضة ولابد أن يؤدي هذا الاستقراء المعرفي إلى التعامل مباشرة مع الجذر الأساسي التي تنبثق عنه كثير من مشكلات واقعنا الثقافي وهو غياب حضور العطاء الثقافي العربي المؤثر ومكانة الذات العربية فيه لدى معظم المثقفين العرب. وعلى الرغم من كل تناقضات الصورة التى آلت إليها الثقافة العربية وبالأحرى في مواجهة ما أصطلح على تسميته المشروع التحديثي فلا يمكن أن تكون ثمة نهضة حقيقية إلا إذا تجسدت الذات القومية العربية والفكر العربي الواحد تجاه صورة العالم الجديد وتقليعة الحداثة والمعاصرة حتى تظل تمثل الذات العربية مكانة كفيلة بإشباع مطامعها وتحقيق هويتها وصياغة الهوية العربية من دين ولغة وتاريخ اتساقاً للعلاقات الاجتماعية فالرباط الوثيق بين الدين الإسلامي واللغة قوض نفوذ الاستعمار والسيطرة والهيمنة والتمسك بالقيم العربية والمثل الحضارية والتصدي للمشاريع الاستعمارية الجديدة مشروع الشرق الأوسط الجديد وتركز النظام التعليمي على الاعتزاز بالشخصية القومية واللغة في سائر أرجاء الوطن العربي إن عملية فرض النمط الغربي على الوطن العربي قائمة منذ فترة طويلة وعلى قدم وساق منذ بدايات الحركة الاستعمارية قبل عدة قرون بالارتكاز على الفكر العربي نجم عنه نمط حضاري وخلقت هذه الإشكالية حالة من الصراع بين المثقف والسلطة وانعزال الجماهير الواسعة عن هذا الصراع متخذة شكلاً من أشكال المقاومة بهدف خلق الهوية العربية بأصالتها الثقافية الحضارية وحل معظم إشكالاتها وتناقضاتها وإبراز صورة جديدة وتغيير الصورة المشوهة للثقافة العربية بحيث يؤدي ذلك إلى فقدان الشخصية القومية العربية بأصالتها وذاتيتها الثقافية. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل ثقافتنا العربية قادرة بإمكاناتها الثقافية والحضارية والتراث العربي على تحقيق مشروعها النهضوي التحديثي وتأكيد ذاتنا العربية ومواجهة تحديات العالم بيد أن هذه القضية اعتبرت عبر وسائط الإعلام العربية واضحت واحدة من أهم القضايا التي تستغل مفكري الوطن العربي ومثقفيه ومن بين الذين ساهموا في إثراء الموضوع والرد على ذات التساؤل المهم د/صبري حافظ في دراسة قيمة له نشرت في مجلة العربي الكويتية العدد «376» مارس عام 1990م بقوله: ان وجود الغرب الفكري في وطننا العربي واحتلاله لمكانة اجتماعية راقية ومتقدمة فيه إضعاف للعقل العربي وتحكمه في آليات تفكيره وهو نتيجة مباشرة لتجذر هذه الصورة في الوعي الجمعي العربي مؤكداً أن قوة وجود العقل العربي تفجر عملية جدل ثقافية مع الصورة الغربية؛ لأن الثقافات تزدهر بالحوار المستمر لا بالانغلاق ولا بالتبعية وإنما تجديد من الاستيعاب الأمثل والحقيقي للثقافة العربية وهويتها القومية واختراق منشور التقليدية إلى الأصالة إلى التاريخ الاسلامي والحضارة العربية المستندة إلى الدين واللغة والتاريخ،..وكان د حافظ موفقاً في تحديد ذلك محذراً من وقوع فكرنا العربي تحت الفكر الغربي العولمي الحداثي..الذي بدأ باعصار التقيد المبدئي في المناهج الدينية والتربية والتعليم نحو التجهيل الثقافي للفكر العربي.