إيران تبدأ بإطلاق الصواريخ الثقيلة    مباراة تاريخية للهلال أمام ريال مدريد    الهلال السعودي يتعادل مع ريال مدريد في كأس العالم للأندية    إصابة 3 مواطنين إثر 4 صواعق رعدية بوصاب السافل    الخطوط الجوية اليمنية... شريان وطن لا يحتمل الخلاف    مليشيا الحوثي تختطف عريساً قبل يوم واحد من زفافه    الحوثي والرهان الخاسر    اشتداد حدة التوتر بين مسلحين قبليين ومليشيا الحوثي في ذمار    الجيش الإيراني يدشن هجوم المُسيرات الخارقة للتحصينات    الصبر مختبر العظمة    مواطنون يشكون منع النقاط الامنية ادخال الغاز إلى غرب محافظة الضالع    الفريق السامعي: ما يحدث ل"إيران" ليس النهاية ومن لم يستيقظ اليوم سيتفاجأ بالسقوط    إيران تعلن اطلاق موجة صواريخ جديدة وصحيفة امريكية تقول ان طهران ستقبل عرض ترامب    اعتقال صحفي في محافظة حضرموت    إغلاق مطار "بن غوريون" يدفع الصهاينة للمغادرة برا .. هربا من الموت!    كندة: «ابن النصابة» موجّه.. وعمرو أكبر الداعمين    لأول مرة في تاريخه.. الريال اليمني ينهار مجددًا ويكسر حاجز 700 أمام الريال السعودي    مجلس الوزراء يشدد على مواجهة تدهور العملة للتخفيف من معاناة المواطنين    فعالية ثقافية للهيئة النسائية في الأمانة بذكرى رحيل العالم الرباني بدر الدين الحوثي    حدود قوة إسرائيل    عدن بين الذاكرة والنسيان.. نداء من قلب الموروث    حجة .. إتلاف مواد غذائية منتهية الصلاحية في مديرية المحابشة    اجتماع بصنعاء يناقش جوانب التحضير والتهيئة الإعلامية لمؤتمر الرسول الأعظم    روسيا تحذر أمريكا من مساعدة تل أبيب «عسكريا»    لملس يزور الفنان المسرحي "قاسم عمر" ويُوجه بتحمل تكاليف علاجه    رسميا.. برشلونة يضم خوان جارسيا حتى 2031    انتقالي شبوة يتقدم جموع المشيعين للشهيد الخليفي ويُحمّل مأرب مسؤولية الغدر ويتوعد القتلة    البيضاء : ضبط ستة متهمين بجريمة قتل شاب من إب    الرهوي يناقش التحضيرات الجارية للمؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم    ترقية اليمن إلى عضوية كاملة في المنظمة الدولية للتقييس (ISO)    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الاربعاء 19 يونيو/حزيران 2025    مأرب.. مقتل 5 اشخاص بكمين استهدف شاحنة غاز    مدارج الحب    صراع سعودي اماراتي لتدمير الموانئ اليمنية    لاعبو الأهلي تعرضوا للضرب والشتم من قبل ميسي وزملائه    أزمة خانقة بالغاز المنزلي في عدن    شرب الشاي بعد الطعام يهدد صحتك!    بن زكري يقترب من تدريب عُمان    ألونسو: لاعبو الهلال أقوياء.. ومشاركة مبابي تتحدد صباحا    شرطة صنعاء تحيل 721 قضية للنيابة    بين صنعاء وعدن .. على طريق "بين الجبلين" والتفاؤل الذي اغتالته نقطة أمنية    الحديدة.. فعاليتان في المنيرة والزهرة بذكرى يوم الولاية    ترامب يؤكد ان مكان خامنئي معروف ويستبعد استهدافه وإسرائيل تحذّر من انه قد يواجه مصير صدام حسين    الإمارات توضح موقفها من الحرب بين إيران وإسرائيل وتحذر من خطوات "غير محسوبة العواقب"    الصحة العالمية: اليمن الثانية إقليميا والخامسة عالميا في الإصابة بالكوليرا    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    من يومياتي في أمريكا .. بوح..!    حوادث السير تحصد حياة 33 شخصاً خلال النصف الأول من يونيو الجاري    استعدادًا لكأس الخليج.. الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر منتخب الشباب تحت 20 عاما    على خلفية أزمة اختلاط المياه.. إقالة نائب مدير مؤسسة المياه والصرف الصحي بعدن    طبيب يفند خرافات شائعة عن ورم البروستاتا الحميد    بالأدلة التجريبية.. إثبات وجود ذكاء جماعي لدى النمل!    صنعاء .. التربية والتعليم تعمم على المدارس الاهلية بشأن الرسوم الدراسية وعقود المعلمين وقيمة الكتب    القائم بأعمال رئيس المجلس الانتقالي يتفقد مستوى الانضباط الوظيفي في هيئات المجلس بعد إجازة عيد الأضحى    تعز.. مقتل وإصابة 15 شخصا بتفجير قنبلة يدوية في حفل زفاف    علماء عرب ومسلمين اخترعوا اختراعات مفيدة للبشرية    وزير الصحة يترأس اجتماعا موسعا ويقر حزمة إجراءات لاحتواء الوضع الوبائ    اغتيال الشخصية!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأسطورة .. المصادر والمنابع في الشعر اليمني المعاصر
نشر في الجمهورية يوم 22 - 03 - 2008

الأسطورة (Myhh) هي كلمة توحي بالامتداد عبر المكان ، وعبر الزمان، توحي بالعطاء المجنح للعقل الإنساني وللوجدان الإنساني أيضاً، على اعتبار أنها أي الاسطورة محاولة الانسان الأول في تفسير الكون تفسيراً قولياً، بل هو من يعتبر الأسطورة أنها دين بدائي ناتج عن اسطورة التعليل فمثلاً تتحول القوة فيها إلى رمز مجسد تخلع عليه صفات الانسان أو الابطال الخرافيين فهي تصور خاص للوجود تجسده المعطيات الثقافية لأمة ما ولهذه الثقافة من خصائص.. لذا يبدو أنه في غياب الحقيقة تحضر الأساطير لتفسر بهاالشعوب ما ينزل بها، ولتنفس من خلاله تنفساً بعضه روحي وبعضه بطولي وبعضه تاريخي، وبعضه فني والمرجح أن يكون هذا التفسير وهذا التنفس حصيلة تجارب حضارية متعددة ومتنوعة فيها ملامح من نوع تفكير هذه التجارب الحضارية وتأملها لذا نتبين أن طبيعة العلاقة بين الفن والأسطورة قديمة، فشكلت الأساطير مصدر إلهام للفنان والشاعر، وهناك الكثير من الأعمال الفنية والشعرية،ماهي إلا صياغة جديدة لأسطورة من الأساطير القديمة لذا في العصر الحديث صارت الأساطير بمختلف أنواعها مصدراً خصباً للأدب شعراً ونثراً، بل ربما نجده تياراً أو منهجاً واضحاً، وغدت للأسطورة وتوظيفها أهمية في الأدب والفن، وذلك عندما تكون الأسطورة عملية خلق وابداع للطاقات الرمزية والإيمائية التي يبتكر الخيال الإنساني من خلالها صور الفن، قبل أن تكون عملية محاكاة نصية هدفها مجاراة الآخرين بطريقة استعراضية معرفية.
وعندما تصل التجربة الشعورية الإنسانية إلى ذروة معاناتها، وتتوحد الذات بالعالم والصيرورة التاريخية والحضارية تولد الأسطورة فهي اذاً تستخدم على سبيل الرمز والرموز نفسها كانت بمثابة الممهد العضوي للأسطورة ، فكانت تلك الكثرة من استخدام الأسطورة في الشعر العالمي، ثم في الشعر العربي نتيجة لذلك الحنين الشعري إلى الأسطورة القديمة التي ينبعث أو يتولد منهاالشعر الحديث.
وعندما نأتي نستقرئ الشعر اليمني المعاصر، باحثين عن الأسطورة ومصادرها فنرى الأساطير اليمنية أولاً لأن اليمن بلاد ذات أساطير ، ثم الأساطير العربية والتراثية ، وهي أيضاً الأساطير العالمية لها مكان كبير في الشعر اليمني، أتى بها الشاعر اليمني في توظيفه كمعادل موضوعي فيها الايماء بموقف معاصر.
إذاً اليمن هي جزء من الوطن العربي الذي يعد من أغنى الشعوب بالأساطير ، ففيه نشأت الأديان السماوية الثلاثة أي في الوطن العربي على ضفاف النيل ، وحول دجلة والفرات، وعند مأرب وظفار نشأ حشد كبير من أروع أساطير الشعوب.. لذا نلاحظ تعدد مصادر الاسطورة في الشعر اليمني المعاصر مابين تراثية قومية، وعالمية من يونانية ووثنية تأثروا في استخدامها بالغرب، ومن ذلك مثلاً نجد «فينوس» إله الجمال «أوكيوبيد»إله الحب، «أو«أبولو» إله الشعر.
وقد يستمدون أسماء من أساطير عربية كالعنقاء ، وعبقر، والغول أو من أساطير يمنية كسيف بن ذي يزن، والهدهد، وفأر سد مأرب ومن الواضح أن الرمز السبئي هو الحاضر كثيراً في قصائد الشعراء، فتعددت لدينا الرموز السبئية مثل ذي نواس، ذي يزن، المقة.
فهذا الشاعر محمد المساح من شعراء الحداثة يقول في احدي قصائده:
أيها المقة العظيم
حين تنأى تصيب القلب رجفة
لكن حين تقترب يحضر الفرح
اقترب ولا تنأى
لتزيل الجفاف من حياتنا أرضاً وقلباً
ليكن مرورك الليلي فوق السقوف
وخلال الأكواخ فيض حنان
وهذا ما نلاحظه أيضاً من الأساليب المبتكرة في استخدام الرمز السبئي لدى الشاعر عبده عثمان الذي يستدفئ ليالي شتاء الطغيان الملكي المباد بنيران الأساطير اليمنية القديمة نافخاً في مواقدها المطفأة من روح المناضلين والشهداء في اليمن المعاصر.
فهو تارة مع ذي نواس الفارس الذي خاض بمفرده البحر فراراً من مواجهة الهزيمة.. وتارة في مواجهة أرياط وأبرهة.
فذو نواس هو ذلك الذي أسلم نفسه للبحر بعد أن أخفق في رد الغزو الأجنبي وهو معادل موضوعي للشهيد العلفي الذي أفرغ رصاص مسدسه على نفسه ومات حنقاً لأنه لم يقض على الطاغية أحمد، فيقول عبده عثمان:
وذات ليلة
كادت تطل في سمائها النجوم
وكادت الغيوم أن تهاجر
«صنعاء» تنفست دوراً، حدائقاً، منائر
وراح ذو نواس باسم الشعب يعلن الخلاص
بصوته المنسوج من ضياء
لكنها!!
جبالنا ، ودياننا، أضاعت الصدى
فلم يجد وراءه جدار
فاقتحم الجدار غاضباً حزين لعله يلقى هناك ثائرين
ومن بين الرموز السبئية الأخرى، التي احتلت موقعاً كبيراً في مساحة التوظيف ذويزن ذلك الانسان الأسطورة الذي ناضل من أجل الشعب اليمني قديماً واستطاع تحريره من الاحتلال الحبشي.
فالشاعر اليمني عندما يستهلم الأسطورة ماهو الا استثارة للمخزون العاطفي، والنفسي في وجدانه ووجدان القارئ ليدفع به إلى الانفعال بعالم القصيدة، فتكون الاسطورة على نحو ما مهرباً من هذا الواقع وربما يأساً منه أو نقمة عليه، على نحو مايرى الناقد المعروف الغدامي فكان ذو يزن هوالرمز اليزني الذي يرمز إلى حياة المجتمع اليمني الباحث عن مخلص وفارس، يقوده إلى حرية، وذلك في عهد الإمامة والاستعمار.
ومن أكثر الشعراء الذين استخدموا هذا الرمز اليزني هو الدكتور عبدالعزيز المقالح بل نجد أنه قد أفرد له ديواناً سماه «رسالة إلى سيف بن ذي يزن» وظف فيه الأسطورة ببلورة الفكر ونقل المشاعر والأحاسيس في استخدامه للغته الفنية المميزة على صورة رسائل من شاكلة رسالته الأولى التي يقول فيها:
سفحنا عند ظل الدهر تحت قيودنا ألفا
ونصف الألف
من أعوامنا العجفا
وأنت مشرد
وبلادنا تدعوك واسيفا
اتستجدي لها الغربة الأمطار
أعثرت في الفضاء
تعاتب الزمن الغريب
فهو الحديث عن مأساة الوطن التي أورثت الظلم والتخلف والحرمان والاضطهاد وسفك الدماء، فجعلته يبحث عن علاج لهذه المأساة بذكر ابن ذي يزن، ومناشدته حتى يكون الأمل من جديد.
وعندما تبلغ المأساة قمتها ، يربط الدكتور المقالح قصة ذي يزن الأسطورية بأحزان وآلام هذا الوطن الذي تقرحت فيه الوجوه وتغيرت ، لكن تبقى الذكريات تتساءل عن مصير ذلك البطل الذي لابد أن يعود إذ يقول:
تقرح وجه الحياة
تقرح لون العيون
يقولون: مات
أقام له الليل قبراً على شاطئ البحر في «زنزبار»
بلا كفن تحت وجه النهار
ومن حوله ترقد الذكريات
لذلك كما يبدو لي أن الدكتور المقالح كان أكثر الشعراء استغلالاً لهذه الشخصية مما أضاف إليها البعد الواقعي للتعبير عن ضرورة التغيير في الواقع اليمني البئيس حينذاك مثل قوله:
حديث الحب موالاً من الأشواق
صنعنا منك يا إنساننا المصلوب في الآفاق
وفي الأعماق
حفرنا اسمك المشنوق في الآفاق
وفي أفواهنا ما زلت أسطورة
وفي تاريخنا في جيلنا تتوضح الصورة
وتنتظر
ومن هنا نرى مدى تعدد المنابع للأسطورة في الشعر المعاصر، التي تتجاوز الرموز اليمنية القديمة، اذ لم تكن رموز اليمن كماهو معروف ليست مقصورة على التاريخ الجاهلي، فلليمن تاريخه الإسلامي المشرق وله رجالاته المبرزون في الإسلام من أمثال: فروة بن مسيك، وذي الكلاع الحميري وعمرو بن معدي كرب وأمثالهم.
وهؤلاء لهم الحق بالمجد التاريخي أيضاً وأولى للأجيال أن تعرفهم.
وهناك مصدر آخر وإن أشرنا إليه في البداية وهي الأساطير التي وجدت في حضارات الأمم الأخرى من قديم الأزل حتى العصور القريبة مثل هابيل وقابيل ويعقوب ويوسف، ونوح، وأبرهة، وميدوزا ، وسبارتاكوس وغيرهم.
وفي هذا الرموز للتدليل جنكيزخان ، اذ كثيراً مانرى هذه الأسطورة مبثوثة في الشعر اليمني، المعاصر، ففي قصيدة للدكتور المقالح يتمثل فيها جنكيز خان وقومه، المغول على أنهم قوى الرجعية ولابد من التصدي لهم، فتوظيفه الفني هذا يوحي للمتلقي بخطورة الهجمة المغولية الشرسة إذ يقول:
جنكيز خان والمغول قادمون
والأهل والديار والبنون
غداً سيعدمون
إن لم نعد السور والخنادق
ونشرع البنادق
سترتدي المدينة السواد
ستغرق النساء في الحداد
سيرجع الفساد
الليل والارهاب والسجون..سيرجعون
وعلى هذا النحو نلاحظ مدى وفرة مصادر الأسطورة وتنوعها وتشكيلها في الشعر اليمني المعاصر والتي تعد صياغة تبعث الحياة في النصوص الشعرية وتجعلها تحمل شحنة من الدلالات والمعاني التي قد تعجز اللغة العادية عن التعبير عنها، وقد لا نستطيع في هذه العجالة أن نذكر أكثر ماذكرنا ، ولكن هي محاولة استقراء لهذا العالم في شعرنا اليمني المعاصر.
المراجع:
1 الأبعاد الموضوعية والفنية للدكتور عبدالعزيز المقالح
2 محاضرات في الأدب اليمني المعاصر، عبدالرحمن محمد العمراني.
3 قراءة في أدب اليمن المعاصر، الدكتور عبدالعزيز المقالح.
4 الشعر اليمني بين الأصالة والتجديد أحمد قاسم المخلافي.
5 ديوان د.عبدالعزيز المقالح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.