البيئة العربية عامل مساعد وراء عدم إعطاء المرأة فرصتها لأن تخوض غمار المعترك السياسي، فالمجتمعات العربية مازالت تعاني من قصور في التعامل مع النساء وتنظر لهن ( بنص عين ) ولا يخفى أن بعض الدول العربية لم تفسح للمرأة المجال للمشاركة في الجانب القيادي والسياسي إلا خضوعاً أو استجابة للضغوط والاملاءات الدولية لاسيما مع ما يسمى بالاصطلاحات التي تعم المنطقة وتخص المرأة في كثير من الأمور ، ومع أن النساء العربيات قد حصلن على حقوقهن السياسية منذ زمن - وان كان على مراحل - وكانت لبنان أول بلد عربي يعطي للمرأة حق التصويت والترشيح عام 1952م وحسمت آخر المعارك التمييزية حتى اليوم في الكويت بانتزاع الكويتية لحقوقها السياسية المشروعة بعد جهد جهيد وإن كان مشروطاً فيه فالتشديد والتخوف سمة واردة ترافق البدايات . ويمكن القول :إن المرأة العربية قطعت شوطاً جباراً في الحياة العامة والميادين العملية ، و أثبتت وجودها وكفاءتها وقدراتها وفرضت نفسها على الجميع وان وجدت الإشكاليات والمعوقات فإنها تلامس المرأة العالمية والنسبة المرتفعة لسقوط النساء من قوائم المرشحين في العملية الديمقراطية ليست مشكلة عربية و لا يمكن حصرها بما حدث في البحرين أوغيره من الأقطار لأن ذلك يحدث على المستوى العالمي غير أن المنطقة العربية أكثر إقصاء للمرأة نتيجة للثقافة الذكورية التقليدية السائدة التي ترسخت في ذهن المجتمع العربي . وهذا ما تفسره النتائج ( المخجلة ) إن لم نقل المتواضعة لنسبة النساء في المراكز السياسية والقيادية العليا ومواقع صنع القرار . وإذا ما اعتلت النساء الحكومات والبرلمانات العربية وبعض المؤسسات والهيئات التنفيذية فإن الأمر في الغالب يقف عند حد المناصب "الديكورية" أو "التمثيل الرمزي" ولا أظن أن الحال سيظل طويلاً على هذا المنوال فالأمل كبير والتفاؤل عالِ بالنساء القياديات في الساحة حيث بإمكانهن إثبات قدراتهن وتحويل "ديكوريتهن" إلى حركة فعالة ومؤثرة تأتِي بالإنجاز وترقى لمستوى الطموح ولن يتأتى هذا إلا من خلال الأخذ بنظام الحصص كخطوة مرحلية أولية وانتقالية لضمان وصول المرأة و أيضاً لإقناع المجتمع بكافة شرائحه على تقبل فكرة وجود المرأة في المراكز المتقدمة كأمر طبيعي بل و ضروري من اجل أن تسود العدالة ويتم الإيفاء والعمل باللوائح والاتفاقيات والبرتوكولات الدولية التي صادقت عليها الدولة العربية وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص أن على الدول الموقعة( أن تتبنى سياسات وقوانين تضمن المساواة التامة في الحقوق بين المرأة والرجل ). وقد ألحقت الأمم المتحدة هذا الإعلان ( بجعل يوم ال 25 من نوفمبر من كل عام يوماً عالمياً لمناهضة العنف ضد المرأة ) . لإلغاء أي تمييز لصالح الرجل كونه يعد عنفاً قائماً ضد المرأة ولابد من إزالة الفوارق في شتى النواحي لما من شأنه إرساء مبدأ العدالة والمساواة بين الجنسين كما أن لتوصيات مؤتمر بكين دافعاً قوياً لدى المرأة حيث أتى معززاً لجهودها الجبارة المتطلعة نحو تحقيق توازن نسبي في الساحة السياسية . وكانت من أهم توصيات مؤتمر بكين 1995م ( اعتماد كوتا نسائية لا تقل عن 30 % من مراكز القرار التشريعي والتنفيذي ) . ولن تكون الكوتا خصوصية عربية كما يظن البعض فهناك أكثر من ( 77) دولة في العالم حتى اليوم تأخذ (بنظام الحصص ) للمرأة و بأشكال مختلفة تتفاوت ما بين "نص دستوري في دستور البلاد أو نص في لوائح الوزارات وهناك"النسب التطوعية" التي تتبناها بعض الأحزاب السياسية عند ترشيح النساء في قوائم الانتخابات للنفاذ بهن إلى ساحة المشاركة وميدان التناقش. وعند الوصول - ان قدر لهذا - إلى تحت سقف القمة البرلمانية يترتب على المرأة مواجهة الواقع وتحمل المسؤولية وستحرص جاهدة على أن تكون خارقة في عملها (القيادي) كما يشترط عليها وكما يريدها الرجال لأن الأعين حينها ستكون مفتوحة على تجربتها تراقب وتتبع خطواتها ما يجعلها تحت الأضواء لرصد كل شاردة وواردة في حساب دقيق فالجميع - ممن يهمهم صيد الأخطاء - يراقبوها كي يتمكنوا من إشهارفشل تجربتها عند أقرب فرصة سانحة ويثبتوا أنها لن تنفع في القيادة ولن تستطيع إثبات وجودها لاسيما فيما يتعلق بالمشوار السياسي الأكثر سخونة على الساحة والأشد جدلاً وتعقيداً عن غيره من الملفات .